كان وما زال هجوم فايروس «كورونا» قاسياً على العالم بأسره، واستجابة لهذا الوضع توجه العالم نحو استخدام التقنية الرقمية للحد من آثار الفايروس التي أدت إلى اضطراب الأعمال في جميع القطاعات بما في ذلك التعليم، وانطلاقاً من هذه الحقيقة شرعت الدول في مواجهة هذا الفايروس بدرجات مُختلفة على جميع الأصعدة والمجالات. وحيث إن التباعد الاجتماعي هو إحدى أهم الوسائل المعتمدة في محاربة الفايروس ومواجهته، الأمر الذي أدى إلى إغلاق المرافق التعليمية بمختلف أنواعها بما فيها المدارس والمعاهد والجامعات، ولإيجاد البديل المتاح الذي يمكن استعماله لضمان استمرارية التعليم كان لابد من اعتماد التعليم عن بعد كبديل آمن ومتاح، وكان مستوى الجاهزية الرقمية في المرافق التعليمية وفي المدارس على وجه الخصوص الدور الرئيسي لضمان تلك الاستمرارية. وقد حاز هذا الموضوع على اهتمام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وهي منظمة دولية يبلغ عدد أعضائها 37 دولة، ومعظم هؤلاء الأعضاء من الدول الغربية مُرتفعة الدخل، وقلة منهم من مُختلف مناطق العالم الأخرى؛ وكثيراً ما يُطلق على هذه المُنظمة لقب «نادي الدول الغنية». وتهتم هذه المُنظمة بالتنمية على مستوى العالم بأسره لأن أعضاءها يُؤثرون ويتأثرون بمُختلف دول العالم.
اهتمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أحد تقاريرها بالجاهزية الرقمية للتعليم في مُختلف دول العالم قبل جائحة كورونا، لأن هذه الجاهزية وسيلة مُفيدة يُمكن استخدامها لزيادة كفاءة التعليم وفاعليته، والانفتاح على الإنترنت ومعطياتها المعرفية غير المحدودة. ثُم اهتمت المُنظمة، بعد كورونا، بأثر هذه الجاهزية على مواجهة هذا الفايروس الخبيث. وقد نشرت المُنظمة حديثاً بالتعاون مع كُل من وزارة التعليم في المملكة والمركز الوطني للتعلم الإلكتروني تقريراً لدراسة أجراها فريق من المنظمة حول المملكة شمل مستوى جاهزيتها الرقمية عام 2018، أي قبل كورونا، وقد قيم التقرير استعداد السعودية للتعامل مع إغلاق المدارس مقارنة مع مثيلاتها من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ وتضمن أيضاً دراسة أخرى، بعد هجوم كورونا عام 2020، حول مدى استجابة هذه الجاهزية لمُتطلبات مواجهة كورونا والحد من تأثيرها على العملية التعليمية.
غاية هذا المقال هي إلقاء الضوء على الدراسة الخاصة بالجاهزية الرقمية في المملكة عام 2018 بالمُقارنة مع متوسط هذه الجاهزية في دول المُنظمة، لأن ذلك يُمكن أن يُبين مكامن القوة ومواطن الضعف في هذه الجاهزية. فبذلك يستطيع المعنيون بالأمر العمل على تعزيز مكامن القوة، وعلى الحد من مواطن الضعف. وقد وجدتُ أن هذا الأمر يحمل أهمية كبيرة للجامعة السعودية الإلكترونية بالذات، كون الجامعة تعد بيت الخبرة الأول في التعليم الإلكتروني في المملكة ولحرصها الشديد على الجاهزية الرقمية والتي تعد العمود الفقري الذي يدعم المرونة في التعلم والتوسع في تقديم خدمة التعليم إلى جميع شرائح المجتمع على مستوى المملكة وعلى مواجهة الأزمات.
وبما أن الجاهزية الرقمية للمؤسسات التعليمية لا تقتصر فقط على توفر التقنية، فقد تضمن هذا التقرير تقييما لمستوى الجاهزية الرقمية للمدارس، وجاهزية المُعلمين لاستخدام التقنية الرقمية في التدريس، وجاهزية المدارس والتلاميذ للتعلم عبر التقنية الرقمية، والجاهزية الرقمية لمنازل التلاميذ، وموقف التلاميذ من التعلم بشكل ذاتي، ومستوى دعم الأسرة لتعليم أبنائها. كما ركز التقرير على ثلاثة أطراف رئيسة تستطيع بها المدارس ضمان استمرارية الدراسة في مواجهة الأزمات: طرف يختص بالمعلمين، وثانٍ يهتم بقادة المدارس، وثالث يُركز على التلاميذ.
فيما يخص المُعلمين، نجد أن الدراسة أبرزت أن 85% من المُعلمين في المملكة مُنفتحون على التغيير، بينما بلغت هذه النسبة على مستوى دول المُنظمة 74%. كما بينت الدراسة أن 76% من المُعلمين في المملكة تلقوا في إطار نشاطات تأهيلهم المهني، مهارات استخدام التقنية الرقمية، بينما بلغت هذه النسبة على مستوى المُنظمة 60%. وأوضحت الدراسة أيضاً أن 75% من المعلمين في المملكة يعتقدون أن بإمكانهم دعم التعلم عبر الوسائل الرقمية، في مُقابل 67% من المُعلمين في دول المُنظمة. كما بينت الدراسة أن 43% من المُعلمين في المملكة يُشاركون في شبكات تربط فيما بينهم من أجل تطوير مُمارساتهم المهنية، وقد بلغت هذه النسبة 40% في دول المُنظمة. ويُضاف إلى ذلك أن 36% من المعلمين في المملكة شاركوا في نشاطات التعلم المهني التعاوني في مدارسهم، بينما لم تتجاوز نسبة المُشاركة هذه 21% في دول المُنظمة.
وإذا انتقلنا إلى قادة المدارس، نجد أن الدراسة بينت أن 72% من قادة المدارس في المملكة قاموا بدعم نشاطات التعاون بين المُعلمين لإيجاد أساليب جديدة في العملية التعليمية، وأن هذه النسبة بلغت 59% فقط في دول المُنظمة. وأظهرت الدراسة أيضاً أن 48% من قادة المدارس في المملكة يقومون بالتعاون مع قادة مدارس أخرى فيها من أجل مواجهة التحديات المُختلفة، وأن هذه النسبة وصلت إلى 37% فقط في دول المنظمة.
أما بالنسبة إلى تلاميذ المدارس، فقد بيّنت الدراسة أن 86% من تلاميذ المدارس في المملكة أكدوا أن ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على التكيف والتعامل مع الأوقات الصعبة مكنتهم من اجتياز المصاعب الدراسية، وتأتي هذه النسبة في مُقابل نسبة دول المُنظمة التي بلغت 71%. وأظهرت الدراسة أيضاً أن 66% من تلاميذ المدارس في المملكة يهدفون إلى اكتساب أكبر قدر من المعرفة في المدرسة، وأن هذه النسبة تبلغ 47% في دول المُنظمة.
هذا وعلى صعيد آخر، أشار التقرير إلى الإجراءات الحازمة التي تتخذها المملكة فيما يخص إعادة افتتاح المدارس حرصا على سلامة الطلبة، وفي نفس الوقت الإجراءات التي تقوم بها لمتابعة وتقييم الفاقد التعليمي وطرق دعم المتعلمين لتقليص الفاقد التعليمي المصاحب للتحول إلى التعليم الافتراضي، وأشاد بحرص المملكة على دعم الطلبة الموجه لدعم انتقالهم من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل والذي يعد غير شائع في الدول الأخرى، وإلى وجود تعاون مستمر بين قيادات التعليم من مدارس ومؤسسات تعليمية مختلفة للتعامل مع التحديات التي تطرأ في بيئات العمل.
وعليه، فإن نتائج الدراسة بينت تقدم المملكة بشكل واضح على متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مُختلف جوانب الجاهزية الرقمية. ولعل الفائدة المُعطاة هُنا لا تكمن فقط في أنها تُقدم نتائج مُشجعة وردت من قبل باحثين محايدين ينتمون إلى جهة دولية مرموقة حول مدى الجاهزية الرقمية في المملكة، بل تكمن أيضاً في منهجية الدراسة والعوامل التي أخذتها في الاعتبار عند تقييم الجاهزية الرقمية للمدارس في دولها وحول العالم. ولعلنا نقوم بتطبيق هذه المنهجية في المُستقبل، كي نتابع تقدم الجاهزية الرقمية في مدارسنا لضمان استمرارية التعليم في جميع الأحوال.
وفي الختام، حقا وجبت الإشادة بالدعم المستمر والمتواصل من القيادة الرشيدة برئاسة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين للتعليم في المملكة، والتوجيهات السديدة للمسؤولين ببذل كل ما يلزم من الجهود في سبيل ضمان استمرارية التعليم أثناء جائحة كورونا والعمل على رفع مستوى التعليم في المملكة بما يتواكب مع التقدم المطرد في استخدام التقنية وأنماط التعليم الحديث. كما تجدر الإشارة إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها معالي وزير التعليم والمسؤولون في الوزارة لتنفيذ تلك التوجيهات الكريمة مما من شأنه الوصول إلى التنافسية العالمية في التعليم والارتقاء بمستويات قياسية ومرموقة بين دول العالم في البنية التحتية الرقمية لنظام التعليم في المملكة.
*رئيسة الجامعة السعودية الإلكترونية
LilacSeu@
اهتمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أحد تقاريرها بالجاهزية الرقمية للتعليم في مُختلف دول العالم قبل جائحة كورونا، لأن هذه الجاهزية وسيلة مُفيدة يُمكن استخدامها لزيادة كفاءة التعليم وفاعليته، والانفتاح على الإنترنت ومعطياتها المعرفية غير المحدودة. ثُم اهتمت المُنظمة، بعد كورونا، بأثر هذه الجاهزية على مواجهة هذا الفايروس الخبيث. وقد نشرت المُنظمة حديثاً بالتعاون مع كُل من وزارة التعليم في المملكة والمركز الوطني للتعلم الإلكتروني تقريراً لدراسة أجراها فريق من المنظمة حول المملكة شمل مستوى جاهزيتها الرقمية عام 2018، أي قبل كورونا، وقد قيم التقرير استعداد السعودية للتعامل مع إغلاق المدارس مقارنة مع مثيلاتها من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ وتضمن أيضاً دراسة أخرى، بعد هجوم كورونا عام 2020، حول مدى استجابة هذه الجاهزية لمُتطلبات مواجهة كورونا والحد من تأثيرها على العملية التعليمية.
غاية هذا المقال هي إلقاء الضوء على الدراسة الخاصة بالجاهزية الرقمية في المملكة عام 2018 بالمُقارنة مع متوسط هذه الجاهزية في دول المُنظمة، لأن ذلك يُمكن أن يُبين مكامن القوة ومواطن الضعف في هذه الجاهزية. فبذلك يستطيع المعنيون بالأمر العمل على تعزيز مكامن القوة، وعلى الحد من مواطن الضعف. وقد وجدتُ أن هذا الأمر يحمل أهمية كبيرة للجامعة السعودية الإلكترونية بالذات، كون الجامعة تعد بيت الخبرة الأول في التعليم الإلكتروني في المملكة ولحرصها الشديد على الجاهزية الرقمية والتي تعد العمود الفقري الذي يدعم المرونة في التعلم والتوسع في تقديم خدمة التعليم إلى جميع شرائح المجتمع على مستوى المملكة وعلى مواجهة الأزمات.
وبما أن الجاهزية الرقمية للمؤسسات التعليمية لا تقتصر فقط على توفر التقنية، فقد تضمن هذا التقرير تقييما لمستوى الجاهزية الرقمية للمدارس، وجاهزية المُعلمين لاستخدام التقنية الرقمية في التدريس، وجاهزية المدارس والتلاميذ للتعلم عبر التقنية الرقمية، والجاهزية الرقمية لمنازل التلاميذ، وموقف التلاميذ من التعلم بشكل ذاتي، ومستوى دعم الأسرة لتعليم أبنائها. كما ركز التقرير على ثلاثة أطراف رئيسة تستطيع بها المدارس ضمان استمرارية الدراسة في مواجهة الأزمات: طرف يختص بالمعلمين، وثانٍ يهتم بقادة المدارس، وثالث يُركز على التلاميذ.
فيما يخص المُعلمين، نجد أن الدراسة أبرزت أن 85% من المُعلمين في المملكة مُنفتحون على التغيير، بينما بلغت هذه النسبة على مستوى دول المُنظمة 74%. كما بينت الدراسة أن 76% من المُعلمين في المملكة تلقوا في إطار نشاطات تأهيلهم المهني، مهارات استخدام التقنية الرقمية، بينما بلغت هذه النسبة على مستوى المُنظمة 60%. وأوضحت الدراسة أيضاً أن 75% من المعلمين في المملكة يعتقدون أن بإمكانهم دعم التعلم عبر الوسائل الرقمية، في مُقابل 67% من المُعلمين في دول المُنظمة. كما بينت الدراسة أن 43% من المُعلمين في المملكة يُشاركون في شبكات تربط فيما بينهم من أجل تطوير مُمارساتهم المهنية، وقد بلغت هذه النسبة 40% في دول المُنظمة. ويُضاف إلى ذلك أن 36% من المعلمين في المملكة شاركوا في نشاطات التعلم المهني التعاوني في مدارسهم، بينما لم تتجاوز نسبة المُشاركة هذه 21% في دول المُنظمة.
وإذا انتقلنا إلى قادة المدارس، نجد أن الدراسة بينت أن 72% من قادة المدارس في المملكة قاموا بدعم نشاطات التعاون بين المُعلمين لإيجاد أساليب جديدة في العملية التعليمية، وأن هذه النسبة بلغت 59% فقط في دول المُنظمة. وأظهرت الدراسة أيضاً أن 48% من قادة المدارس في المملكة يقومون بالتعاون مع قادة مدارس أخرى فيها من أجل مواجهة التحديات المُختلفة، وأن هذه النسبة وصلت إلى 37% فقط في دول المنظمة.
أما بالنسبة إلى تلاميذ المدارس، فقد بيّنت الدراسة أن 86% من تلاميذ المدارس في المملكة أكدوا أن ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على التكيف والتعامل مع الأوقات الصعبة مكنتهم من اجتياز المصاعب الدراسية، وتأتي هذه النسبة في مُقابل نسبة دول المُنظمة التي بلغت 71%. وأظهرت الدراسة أيضاً أن 66% من تلاميذ المدارس في المملكة يهدفون إلى اكتساب أكبر قدر من المعرفة في المدرسة، وأن هذه النسبة تبلغ 47% في دول المُنظمة.
هذا وعلى صعيد آخر، أشار التقرير إلى الإجراءات الحازمة التي تتخذها المملكة فيما يخص إعادة افتتاح المدارس حرصا على سلامة الطلبة، وفي نفس الوقت الإجراءات التي تقوم بها لمتابعة وتقييم الفاقد التعليمي وطرق دعم المتعلمين لتقليص الفاقد التعليمي المصاحب للتحول إلى التعليم الافتراضي، وأشاد بحرص المملكة على دعم الطلبة الموجه لدعم انتقالهم من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل والذي يعد غير شائع في الدول الأخرى، وإلى وجود تعاون مستمر بين قيادات التعليم من مدارس ومؤسسات تعليمية مختلفة للتعامل مع التحديات التي تطرأ في بيئات العمل.
وعليه، فإن نتائج الدراسة بينت تقدم المملكة بشكل واضح على متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مُختلف جوانب الجاهزية الرقمية. ولعل الفائدة المُعطاة هُنا لا تكمن فقط في أنها تُقدم نتائج مُشجعة وردت من قبل باحثين محايدين ينتمون إلى جهة دولية مرموقة حول مدى الجاهزية الرقمية في المملكة، بل تكمن أيضاً في منهجية الدراسة والعوامل التي أخذتها في الاعتبار عند تقييم الجاهزية الرقمية للمدارس في دولها وحول العالم. ولعلنا نقوم بتطبيق هذه المنهجية في المُستقبل، كي نتابع تقدم الجاهزية الرقمية في مدارسنا لضمان استمرارية التعليم في جميع الأحوال.
وفي الختام، حقا وجبت الإشادة بالدعم المستمر والمتواصل من القيادة الرشيدة برئاسة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين للتعليم في المملكة، والتوجيهات السديدة للمسؤولين ببذل كل ما يلزم من الجهود في سبيل ضمان استمرارية التعليم أثناء جائحة كورونا والعمل على رفع مستوى التعليم في المملكة بما يتواكب مع التقدم المطرد في استخدام التقنية وأنماط التعليم الحديث. كما تجدر الإشارة إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها معالي وزير التعليم والمسؤولون في الوزارة لتنفيذ تلك التوجيهات الكريمة مما من شأنه الوصول إلى التنافسية العالمية في التعليم والارتقاء بمستويات قياسية ومرموقة بين دول العالم في البنية التحتية الرقمية لنظام التعليم في المملكة.
*رئيسة الجامعة السعودية الإلكترونية
LilacSeu@