-A +A
أنمار مطاوع
عام 79، وما قبله بقليل.. وبعده بقليل، كان فترة منعطفات محاور الشر على المستوى العالمي. إذا كان عام 67 نكسة على الكثير من الدول العربية.. لم تستطع حتى الآن تجاوز مردوداتها النفسية وتأثيراتها الحضارية، فإن العام 79 كان مأزقا على مستوى العالم لم يستطع حتى الآن الفكاك منه؛ بدءا من الثورة الإسلامية التي أعلنها (الخميني) في إيران؛ وما زال العالم يعاني منها، مرورا بالثورة المحافظة لـ(تاتشر) في بريطانيا، وانتقالها للولايات المتحدة بداية فترة (ريجان) الرئاسية؛ وقد سبقتهما ثورة بيجين (المحافظة) بعام واحد. ومن حينها والعالم يمشي على أعشاب مليئة بالأفاعي.

في ذلك العام -79- أفصحت حركة (جهيمان) عن الفكر الأصفر المحفوظ في غياهب العقل الذي يرى أن أجرة السكن على الأرض ليست إعمارها والإحسان إلى المخلوقات التي تعيش عليها، بل خرابها على رؤوس كل مختلف -أيا كان نوع الاختلاف-، ولا يؤمن أبداً بأن السلام هو جوهر الإسلام، بل يعتقد أن كتابة المصحف الشريف يجب أن تكون بدماء المختلفين والمعارضين.. والمسالمين.


في ذلك العام -79- خرجت فتاوى التحريم بالجملة والمفرّق في كل العالم الإسلامي.. وانتشرت أشرطة (عذاب القبر) في المساجد والمدارس والأسواق.. حتى في محطات الوقود. وكانت هذه مقدمة محترمة جدا لنشر فكرة الجهاد والعمليات الانتحارية. فهذان هما الطريقان الوحيدان لتجاوز عذاب القبر المرعب.

في ذلك العام -79- بدأت الأفكار تُكتب بكعوب البنادق وأفواه المسدسات.. لتنشر رياح الكراهية على العالم. وعملت تحت نظر وصبر الأنظمة.. على اعتبار أن بناء خلية نحل سينتج عنه عسل بالضرورة. وخابت الظنون.

ثم بدأ التحوّل الأملس يتجه نحو السياسة مباشرة.. فلبس عباءة حزبية وأصبح رواد تلك التوجهات ريشة معتمدة -ضمن بقية الرّيش- في ذيل طاووس أغبر يحلم بإعادة مجد تاريخ أسود.. ذهب ولن يعود.. فالتاريخ لا يرتكب الخطأ مرتين.

منذ منتصف 2017، بدأت عمليات الإصلاح الكبرى والجذرية محليا ودوليا -بقيادة محمد بن سلمان- بكل شفافية ووضوح ليضع الواقع أمام نفسه ويفتح المجال للإفصاح عن بواطن الأمور بأدب الحوار وحكمة الأدباء.. وحزم القائد.

الأفكار المتطرفة التي تسمَّم بها العالم -بغض النظر عن نوعها- من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، انتشرت في كل زاوية وعلى كل قارعة طريق.. فقط تُغيّر شكلها ونوعها ولونها؛ فالتطرف في فكرة حرية التعبير؛ على سبيل المثال، هو أحد أوجه العملة.. وهذا ما يتسبب في ردود فعل متطرفة.. من نوع آخر. فحرية التعبير بهذا التشويه.. هي في حقيقتها.. تنتمي لنفس الجذور الفكرية. شجرة عائلية واحدة.. ذابلة الأوراق.. قوية الأشواك.

لا يوجد عاقل يرفض حرية التعبير، لكن عندما تكون ملوثة بجراثيم التطرف.. لا تصبح حميدة.. أبدا. كثير من دعاوى حرية التعبير -شرقية وغربية-.. عند الاقتراب منها.. لا تكون مستقيمة كما تبدو عن بعد.

العالم يحتاج إلى تنظيف ذاكرته.. وتاريخه.. ومفاهيمه من كل فكر متطرف.. ليعود إلى طاولة الإنسانية مرة أخرى.. ويستمتع بإعمار الأرض.

كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com