الولايات المتحدة الأمريكية تمر بلحظة تاريخية لم يتوقعها حتى أكثر المتشائمين من طبيعة النظام السياسي والذي سطره الآباء المؤسسون قبل قرنين ونصف القرن عبر دستور هو الأقدم في العالم ضمن الدساتير التي لم ينقطع العمل بها. يضمن هذا الدستور استمرارية الحكم واستقرار النظام السياسي، بالرغم من أن الولايات المتحدة خاضت حروبا خارجية وصراعات داخلية ولكن هذا النظام السياسي استطاع الصمود، واستطاع أن يثبت فعاليته في الحروب العسكرية، وكذلك في الحرب الباردة التي كرست الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الأقوى على مدار التاريخ، وهذا ما دفع الفيلسوف الأمريكي من أصل ياباني فرنسيس فوكوياما أن يصيح بأن التاريخ قد انتهى وأن الحضارة الغربية ممثلة بالولايات المتحدة قد أنتجت أرقى النظم السياسية والتي لن يستطيع العالم أن يتجاوزها، وما على العالم إلا أن يحاول الوصول إلى ذلك النموذج، لا بل أن فوكوياما زعم أن المواطن في النظام الديمقراطي الليبرالي هو الإنسان الأخير وعنون مقالته الأولى في هذا المجال (نهاية التاريخ والإنسان الأخير). لقد حاول الآباء المؤسسون أن يضعوا ضوابط للعملية السياسية بحيث تكفل حقوق وحريات المواطنين الأمريكيين وهذا ما أنتج نظاما انتخابيا هو الأكثر تعقيدا على مستوى العالم.
النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية في ظاهره متماسك وصلب، بحيث يستطيع احتواء الاختلافات السياسات، وبالتالي الديمقراطية الأمريكية تضمن حرية الفرد وتتيح وسائل للتعبير عن تلك الحرية. ولكن الأساس لكل ذلك هو الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية والانتخابية، فمنطق المشرع الأمريكي هو، لنختلف على كل شيء ولنتفق على قواعد تنظيم هذه الاختلافات، وهذا ليس بدعا في الأنظمة السياسية بل هو أساس الاستقرار السياسي. فالجدل حول أهلية الديمقراطية كنظام سياسي أو الثيوقراطية على سبيل المثال في تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي أو أيهما أفضل الجمهورية أم الملكية، كل هذا الجدل يصبح عقيما باعتبار أن أساس الاستقرار هو اتفاق الشعب على قواعد اللعبة وموافقته على شرعية النظام السياسي، وعلى هذا تصبح اليابان التي امبراطورها إله يعبد توازي أو تتفوق على الهند التي تزعم أنها أكبر ديمقراطية في العالم. لا بل أن الصين الشيوعية (الرأسمالية)، بالرغم من كل الانتقادات الغربية لنظامها السياسي، ها هي تتقدم الركب العالمي اقتصاديا وتقنيا وربما عما قريب عسكريا وإستراتيجيا متقدمة على أعتى وأقدم الديمقراطيات على مستوى العالم.
ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو الاختلاف حول قواعد اللعبة نفسها، هو التشكيك بشرعية النظام السياسي، نحن لا نتحدث عن جماعات متطرفة لطالما وجدت على الساحة الأمريكية ولكن نحن نتحدث عن شطر لا يستهان به من الشعب. الحديث عن التزوير وعن المؤامرة التي تحاك ضد الرئيس دونالد ترمب لا يعصف بالعملية الانتخابية وحسب ولكنه يعصف بشرعية النظام السياسي ويعصف بالاستقرار الذي وضع واشنطن كشرطي للعالم على مدى ثلاثة عقود على الأقل. إذا استمر هذا التشكيك وتعاظم الخلاف فإن ذلك بدون أدنى شك سيكون مسمارا في نعش الإمبراطورية الأمريكية.
باحث سياسي
ramialkhalife@
النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية في ظاهره متماسك وصلب، بحيث يستطيع احتواء الاختلافات السياسات، وبالتالي الديمقراطية الأمريكية تضمن حرية الفرد وتتيح وسائل للتعبير عن تلك الحرية. ولكن الأساس لكل ذلك هو الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية والانتخابية، فمنطق المشرع الأمريكي هو، لنختلف على كل شيء ولنتفق على قواعد تنظيم هذه الاختلافات، وهذا ليس بدعا في الأنظمة السياسية بل هو أساس الاستقرار السياسي. فالجدل حول أهلية الديمقراطية كنظام سياسي أو الثيوقراطية على سبيل المثال في تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي أو أيهما أفضل الجمهورية أم الملكية، كل هذا الجدل يصبح عقيما باعتبار أن أساس الاستقرار هو اتفاق الشعب على قواعد اللعبة وموافقته على شرعية النظام السياسي، وعلى هذا تصبح اليابان التي امبراطورها إله يعبد توازي أو تتفوق على الهند التي تزعم أنها أكبر ديمقراطية في العالم. لا بل أن الصين الشيوعية (الرأسمالية)، بالرغم من كل الانتقادات الغربية لنظامها السياسي، ها هي تتقدم الركب العالمي اقتصاديا وتقنيا وربما عما قريب عسكريا وإستراتيجيا متقدمة على أعتى وأقدم الديمقراطيات على مستوى العالم.
ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو الاختلاف حول قواعد اللعبة نفسها، هو التشكيك بشرعية النظام السياسي، نحن لا نتحدث عن جماعات متطرفة لطالما وجدت على الساحة الأمريكية ولكن نحن نتحدث عن شطر لا يستهان به من الشعب. الحديث عن التزوير وعن المؤامرة التي تحاك ضد الرئيس دونالد ترمب لا يعصف بالعملية الانتخابية وحسب ولكنه يعصف بشرعية النظام السياسي ويعصف بالاستقرار الذي وضع واشنطن كشرطي للعالم على مدى ثلاثة عقود على الأقل. إذا استمر هذا التشكيك وتعاظم الخلاف فإن ذلك بدون أدنى شك سيكون مسمارا في نعش الإمبراطورية الأمريكية.
باحث سياسي
ramialkhalife@