هناك دول كثيرة اليوم تستخدم المرتزقة في بعض حروبها، وصراعاتها المسلحة. ولم يعد تجنيد المرتزقة يتم عن طريق الدول أو القادة فقط. فقد أصبحت هناك «شركات أمنية» خاصة، تقوم بتجنيد وتشغيل المرتزقة، حول العالم. ويعتبر الضابط البريطاني المطرود من الخدمة العسكرية «جون بانكس» أول من أسس شركة من هذا القبيل، عام 1975م. ولم تستمر هذه الشركة طويلا. ثم قام المرتزق العالمي الشهير «بوب دينار» في ذات الفترة بتأسيس «شركة ما وراء البحار للأمن والحماية». وحذا آخرون حذو دينار. فأصبح بالعالم حوالى مائة شركة مماثلة، منها 35 شركة في أمريكا وحدها. ولعل أشهر الشركات الأمريكية المشابهة «شركة بلاك ووتر للاستشارات الأمنية»، التي ظهرت للعلن عام 2002م، وشاركت بجلب حوالى عشرين ألف مرتزق، للقتال مع القوات الأمريكية في العراق.
وهناك نظير روسي لشركة «بلاك ووتر»، هو ما يعرف بشركة «فاجنر». وللدور المتصاعد الذي تلعبه الآن شركة «بلاك ووتر»، ونظيرتها الروسية شركة «فاجنر»، سنلقي بعض الضوء على هاتين «الشركتين»، كنموذجين بارزين للمقاتلين المرتزقة المنضمين في «شركات» أعمال.
****
أسس الأمريكي «إريك برينس»، الذي ينتمي إلى التيار المسيحي اليميني المتطرف في الولايات المتحدة، هذه الشركة، التي ولدت فكرتها في عام 1995م، حين كان برينس يتدرب في أحد معسكرات البحرية الأمريكية، بينما كانت القوات المسلحة الأمريكية تفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص للمساهمة في أعمالٍ مساندة للجيش.
سميت «شركة بلاك ووتر (المياه السوداء) للاستشارات الأمنية»، نسبة إلى المستنقعات المظلمة التي أنشئت في قلبها. ولم تطفُ على السطح إلا عام 2002م، مستفيدة من الأجواء التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وإلى درجة حدت بأحد مسؤوليها المتنفذين أن يقول: «لقد ساعد ابن لادن على تحويل شركتنا إلى الهيئة التي هي عليها حالياً». إذ زاد «الطلب» على خدماتها منذ ذلك الحين. وتفتخر بعض قيادات بلاك ووتر بعضويتهم في جماعة «فرسان مالطا» العسكرية، وهم مرتزقة مسيحيون متطرفون، كوّنوا جماعتهم في القرن الحادي عشر الميلادي، إبان الحروب الصليبية، للدفاع عن الأراضي التي استولى عليها الفرنجة آنذاك من العرب والمسلمين.
استقطبت بلاك ووتر المرتزقة من كل أرجاء العالم. ومن ذلك: تجنيدها مجموعة من رجال الكوماندوز السابقين في الجيش التشيلي، وغيره. وحظيت عام 2003م بدفعة قوية، بحصولها على عقد لحماية «بول بريمر»، الحاكم الأمريكي للعراق آنذاك. أتاح لها ذلك العقد أن تدفع ستمائة دولار يوميا لأي جندي يتعاقد معها، بينما كانت تحصل هي من مموليها على نحو ألف وخمسمائة دولار عن كل جندي. كما شاركت في حماية بعض المسؤولين الأمريكيين في العراق، وخاضت بعض المعارك، ومنها معركة الفلوجة التي وقعت في نوفمبر من عام 2004م.
وقد حاربت بلاك ووتر مع العسكريين الأمريكيين النظاميين، خاصة أثناء حرب احتلال العراق. وساهمت، وغيرها من الشركات المماثلة، في تشغيل وصيانة الطائرات بدون طيار، وقاذفات (B-35) التي بوسعها الاختفاء عن شاشات الرادار. كما كلفت الحكومة الأمريكية شركة بلاك ووتر بالقيام بحراسة بحر قزوين «للدفاع عن المصالح النفطية الأمريكية، بهذه المنطقة». فأنشئت قواعد عسكرية تشغلها هذه الشركة لهذا الغرض.
****
أما شركة «فاجنر» الروسية، فقد بدأ العالم يعرف عنها منذ أن جلبت إلى سوريا عام 2015م، لتقاتل مع القوات الروسية، إلى جانب قوات نظام الأسد. وقبل ذلك، شاركت في احتلال شبه جزيرة القرم، وفى أحداث شرق أوكرانيا. و«فاجنر» هو الاسم غير الرسمي لهذه الشركة، التي هي عبارة عن تشكيل مسلح منظم، يحارب بمقابل مادي. ويجند المرتزقة الروس، ويقوم بتدريبهم، وتأهيلهم للقتال، غالبا تحت إمرة القيادة الروسية. وهى تمول (بسرية) من قبل أفراد ورجال أعمال، وليس من الدولة الروسية، التي تبارك وجودها، وتستخدمها في كثير من المهمات العسكرية.
أسس مجموعة من الضباط الروس المتقاعدين هذه الشركة، عام 2015م. ويقال إن فلاديمير بوتين دعم مبدأ إنشائها عام 2012م، بعدما رأى فيها وسيلة لتحقيق المصالح القومية الروسية، دون مشاركة مباشرة من الدولة الروسية. وتوجد قاعدة تدريبها في منطقة «كراسنودار» الروسية. وقد قدر عدد المجموعة، عند تأسيسها، بحوالى 400 شخص، وأصبح 2500 مرتزق عام 2017م، تدفع رواتبهم نقداً. فيتلقى العنصر أثناء الخدمة في أراضي روسيا 1400-1750 دولار أمريكي تقريباً. أما في سورية، فيأخذ ضعفي هذا المبلغ، إضافة إلى نفقات مهمات القتال والتعويضات عن الإصابات والوفاة. وفي حال الموت، يُدفع للأسرة ما يصل إلى 5 ملايين روبل (أقل بقليل من تسعة آلاف دولار)، بشرط عدم الكشف عن مكان الوفاة. ويقاتل مرتزقة فاجنر الآن مع القوات البرية الروسية في سوريا وليبيا، وغيرها، ويتكبدون خسائر في الأرواح والعتاد.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
وهناك نظير روسي لشركة «بلاك ووتر»، هو ما يعرف بشركة «فاجنر». وللدور المتصاعد الذي تلعبه الآن شركة «بلاك ووتر»، ونظيرتها الروسية شركة «فاجنر»، سنلقي بعض الضوء على هاتين «الشركتين»، كنموذجين بارزين للمقاتلين المرتزقة المنضمين في «شركات» أعمال.
****
أسس الأمريكي «إريك برينس»، الذي ينتمي إلى التيار المسيحي اليميني المتطرف في الولايات المتحدة، هذه الشركة، التي ولدت فكرتها في عام 1995م، حين كان برينس يتدرب في أحد معسكرات البحرية الأمريكية، بينما كانت القوات المسلحة الأمريكية تفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص للمساهمة في أعمالٍ مساندة للجيش.
سميت «شركة بلاك ووتر (المياه السوداء) للاستشارات الأمنية»، نسبة إلى المستنقعات المظلمة التي أنشئت في قلبها. ولم تطفُ على السطح إلا عام 2002م، مستفيدة من الأجواء التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وإلى درجة حدت بأحد مسؤوليها المتنفذين أن يقول: «لقد ساعد ابن لادن على تحويل شركتنا إلى الهيئة التي هي عليها حالياً». إذ زاد «الطلب» على خدماتها منذ ذلك الحين. وتفتخر بعض قيادات بلاك ووتر بعضويتهم في جماعة «فرسان مالطا» العسكرية، وهم مرتزقة مسيحيون متطرفون، كوّنوا جماعتهم في القرن الحادي عشر الميلادي، إبان الحروب الصليبية، للدفاع عن الأراضي التي استولى عليها الفرنجة آنذاك من العرب والمسلمين.
استقطبت بلاك ووتر المرتزقة من كل أرجاء العالم. ومن ذلك: تجنيدها مجموعة من رجال الكوماندوز السابقين في الجيش التشيلي، وغيره. وحظيت عام 2003م بدفعة قوية، بحصولها على عقد لحماية «بول بريمر»، الحاكم الأمريكي للعراق آنذاك. أتاح لها ذلك العقد أن تدفع ستمائة دولار يوميا لأي جندي يتعاقد معها، بينما كانت تحصل هي من مموليها على نحو ألف وخمسمائة دولار عن كل جندي. كما شاركت في حماية بعض المسؤولين الأمريكيين في العراق، وخاضت بعض المعارك، ومنها معركة الفلوجة التي وقعت في نوفمبر من عام 2004م.
وقد حاربت بلاك ووتر مع العسكريين الأمريكيين النظاميين، خاصة أثناء حرب احتلال العراق. وساهمت، وغيرها من الشركات المماثلة، في تشغيل وصيانة الطائرات بدون طيار، وقاذفات (B-35) التي بوسعها الاختفاء عن شاشات الرادار. كما كلفت الحكومة الأمريكية شركة بلاك ووتر بالقيام بحراسة بحر قزوين «للدفاع عن المصالح النفطية الأمريكية، بهذه المنطقة». فأنشئت قواعد عسكرية تشغلها هذه الشركة لهذا الغرض.
****
أما شركة «فاجنر» الروسية، فقد بدأ العالم يعرف عنها منذ أن جلبت إلى سوريا عام 2015م، لتقاتل مع القوات الروسية، إلى جانب قوات نظام الأسد. وقبل ذلك، شاركت في احتلال شبه جزيرة القرم، وفى أحداث شرق أوكرانيا. و«فاجنر» هو الاسم غير الرسمي لهذه الشركة، التي هي عبارة عن تشكيل مسلح منظم، يحارب بمقابل مادي. ويجند المرتزقة الروس، ويقوم بتدريبهم، وتأهيلهم للقتال، غالبا تحت إمرة القيادة الروسية. وهى تمول (بسرية) من قبل أفراد ورجال أعمال، وليس من الدولة الروسية، التي تبارك وجودها، وتستخدمها في كثير من المهمات العسكرية.
أسس مجموعة من الضباط الروس المتقاعدين هذه الشركة، عام 2015م. ويقال إن فلاديمير بوتين دعم مبدأ إنشائها عام 2012م، بعدما رأى فيها وسيلة لتحقيق المصالح القومية الروسية، دون مشاركة مباشرة من الدولة الروسية. وتوجد قاعدة تدريبها في منطقة «كراسنودار» الروسية. وقد قدر عدد المجموعة، عند تأسيسها، بحوالى 400 شخص، وأصبح 2500 مرتزق عام 2017م، تدفع رواتبهم نقداً. فيتلقى العنصر أثناء الخدمة في أراضي روسيا 1400-1750 دولار أمريكي تقريباً. أما في سورية، فيأخذ ضعفي هذا المبلغ، إضافة إلى نفقات مهمات القتال والتعويضات عن الإصابات والوفاة. وفي حال الموت، يُدفع للأسرة ما يصل إلى 5 ملايين روبل (أقل بقليل من تسعة آلاف دولار)، بشرط عدم الكشف عن مكان الوفاة. ويقاتل مرتزقة فاجنر الآن مع القوات البرية الروسية في سوريا وليبيا، وغيرها، ويتكبدون خسائر في الأرواح والعتاد.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com