في تصريح لافت قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن موقع تركيا الطبيعي هو بين الدول الأوروبية، بما يمكن اعتباره تغييرا عميقا في الخطاب التركي اتجاه القارة العجوز، تلا ذلك سحب سفينة البحث التركية (أروتش رئيس) وعودتها إلى ميناء انطاليا. الرئيس التركي على مدى السنوات الأربع الماضية قدم خطابا متحديا للدول الأوروبية ولم تنقطع التوترات بين الطرفين، ومع ذلك فشلت الدول الأوروبية في اتخاذ خطوات حاسمة، أو عقوبات ذات جدوى يمكن أن تغير السياسة التركية بحسب ما تشتهي الرياح الأوروبية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما تدخلت القوات التركية في شمال سوريا نددت الدول الأوروبية بالعملية العسكرية واتخذت عقوبات شكلية لم تؤثر مطلقاً على السياسة التركية. وفي كل تلك المحاولات الأوروبية لاتخاذ عقوبات ضد تركيا كانت ألمانيا تقف حجر عثرة وتعرقل أي قرار في هذا الاتجاه وتسعى إلى فتح قنوات التفاوض بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة. حدث ذلك في ذروة الاندفاعة التركية في المياه المتنازع عليها مع اليونان وقبرص. وفي حين أن فرنسا اتخذت خطوات عسكرية ومنها إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول للمشاركة في مناورات مع الجانب اليوناني والقبرصي، فإن ألمانيا لم تحرك ساكنا بل ذهب وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس إلى تركيا لتهدئة التوتر. ولعل السؤال اللافت لماذا تذهب ألمانيا هذا المذهب في الدفاع عن تركيا ومعارضة أي إجراء ضدها. هناك أسباب كثيرة يمكن اختصارها في ثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها العلاقات الاقتصادية المتشعبة بين الطرفين فالتبادل التجاري بين الطرفين بلغ خلال العام المنصرم ما يتجاوز 35 مليار دولار، والميزان التجاري بين الطرفين يميل بقوة لصالح ألمانيا. أما السبب الثاني فهو يعود إلى الجالية التركية الكبيرة الموجودة في ألمانيا والتي تتجاوز الـ4 ملايين نسمة، وهم يمثلون كتلة يستفيد منها الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، أما السبب الثالث، وهو الأهم، يعود إلى الخلافات بين ضفتي الأطلسي حول الملفات الدولية بشكل عام والسياسة الغربية اتجاه تركيا على وجه الخصوص، الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترمب أعطت من وجهة النظر الألمانية غطاء لسياسات الرئيس التركي، فإذا اتخذت أوروبا عقوبات فهي سوف تذهب منفردة ولن تكون مؤثرة. هذه الأسباب تغيرت كثيرا خلال الفترة الماضية، فتركيا تعيش أزمة اقتصادية أجبرت وزير المالية المقرب من الرئيس التركي بيرات البيرق إلى تقديم استقالته، والأزمة الاقتصادية مرشحة للتفاقم بسبب أي إجراءات غربية. كما أن ألمانيا تلحظ تراجعاً في شعبية الرئيس التركي داخل تركيا وأيضا بين صفوف الجالية التركية في ألمانيا، بسبب تمركز السلطة في يديه. ولكن العامل الحاسم هو وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى سدة البيت الأبيض وبايدن وثلة من أعضاء إدارته المعينين كانوا قد صرحوا بأن الإدارة الجديدة سوف تتخذ سياسة مختلفة مع تركيا أردوغان.
لكل هذه الأسباب تبدو أوروبا في هذه المرة على خلاف المرات السابقة أكثر استعدادا لفرض عقوبات على تركيا، والاجتماع القادم لقادة الاتحاد الأوروبي سوف يكون حاسما في هذا الاتجاه. مع أننا نشك أن تستطيع الدول الأوروبية في هذا التوقيت أن تخرج من حالة الترهل التي لطالما طبعت سياستها الخارجية.
باحث سياسي
ramialkhalife@
لكل هذه الأسباب تبدو أوروبا في هذه المرة على خلاف المرات السابقة أكثر استعدادا لفرض عقوبات على تركيا، والاجتماع القادم لقادة الاتحاد الأوروبي سوف يكون حاسما في هذا الاتجاه. مع أننا نشك أن تستطيع الدول الأوروبية في هذا التوقيت أن تخرج من حالة الترهل التي لطالما طبعت سياستها الخارجية.
باحث سياسي
ramialkhalife@