-A +A
صدقة يحيى فاضل
أصبحت هناك دول كثيرة تستخدم المرتزقة في بعض حروبها وصراعاتها المسلحة، وتحارب عبرها من تعتبرهم أعداء. ولم يعد تجنيد المرتزقة يتم عن طريق الدول أو القادة فقط. فقد أصبحت هناك «شركات أمنية» خاصة تقوم بتجنيد وتشغيل المرتزقة، حول العالم، بهدف تحقيق الربح، و«مكاسب» أخرى. وأضحى العالم يضم حوالى مائة شركة محاربة، أو «أمنية»، منها 35 شركة في أمريكا، أشهرها «شركة بلاك ووترز للاستشارات الأمنية»، التي ظهرت للعلن عام 2002، وشاركت بجلب حوالى عشرين ألف مرتزق، للقتال مع القوات الأمريكية في العراق. وللدور المتصاعد الذى تلعبه الآن شركة «بلاك ووتر»، ونظيرتها الروسية «فاجنر»، والشركات المماثلة، أوجزنا بعض المعلومات عن هاتين «الشركتين»، كنموذجين بارزين للمقاتلين المرتزقة المنظمين. ونوجز اليوم الشجب والرفض العالمي والإنساني لهذه الظاهرة المقيتة.

****


لفت النشاط المتصاعد والمفاجئ لدور بلاك ووتر، ومثيلاتها من الشركات، نظر الساسة والمراقبين المهتمين بالشأن الدولي وجانبه الأمني. كما اهتمت الأمم المتحدة بهذه الظاهرة، فقامت بتشكيل لجنة مستقلة من خبراء في الأمن وحقوق الإنسان. وتولت هذه اللجنة دراسة هذا النوع من الارتزاق على أرض الواقع. وقامت بزيارات استطلاعية لخمس دول، هي: هندوراس وبيرو وتشيلي والإكوادور وجزر فيجي، للوقوف على عمليات تجنيد وتدريب المرتزقة، التي تجرى على أراضيها، أكثر من غيرها. وبعد عامين من العمل والتحري، أوضحت هذه اللجنة أن «الشركات الأمنية الخاصة» جندت عناصر من إسبانيا والبرتغال ودول أوروبية وروسيا وجنوب أفريقيا. وهى تقيم معسكرات تدريب عسكرية لمجنديها في كل من الولايات المتحدة والعراق والأردن. وذلك لتمكين وتهيئة هؤلاء المجندين للقيام بمهام، توكل عادة إلى الجيوش النظامية.

وأوضحت اللجنة أن ظاهرة الارتزاق المسلح تشكل تهديدا للأمن والاستقرار الدوليين. لذا، يجب تحريمها. ولا يجب إطلاقا خصخصة القوى المسلحة. لأن: «خصخصة الجيوش، من قبل بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تؤدي إلى تنام مطّرد في ظاهرة المرتزقة الذين يعملون تحت لافتات الشركات الأمنية الخاصة، ملتحفين بغطاء لفظي خادع، يصفهم بأنهم مقاولون (Contractors) بدلا من اسمهم الحقيقي، وهو مرتزقة».

****

ودعت لجنة الأمم المتحدة إلى تأكيد تحريم (وتجريم) ظاهرة الارتزاق المسلح دوليا، لما لها من سلبيات، من أهمها: تمكين من يملك المال من شن الحروب على مناوئيه. واستشهدت اللجنة بقوانين أصدرتها عدة دول هامة تحرم امتهان القتال، كمهنة تؤدى بمقابل مادي. ومن هذه الدول: بريطانيا التي قد سنت قانوناً يحرم العمل الارتزاقى. وكذلك فرنسا، حيث أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية، في أبريل 2003، قانونا يعاقب المرتزق بالسجن خمسة أعوام، وغرامة 75 ألف يورو. وتضاعف العقوبة تجاه القائمين على تجنيد المرتزقة بالسجن سبعة أعوام، وغرامة مائة ألف يورو.

كما أن الولايات المتحدة، ورغم استخدامها العلني والسري للمرتزقة، إلا أن القانون الأمريكي ينص، في المادة العقابية رقم 909/‏ 18، على أن: «أي شخص على التراب الأمريكي إذا انخرط، أو التزم بتأجير نفسه، أو استدعى شخصا آخر أو حرض غيره على الانخراط، أو الالتزام بخدمة جيش أمير أو دولة أو محمية أو منطقة أو شعب أجنبي، كجندي أو قناص أو بحار على متن باخرة أو زورق حربي، أو كان في طريقه إلى الحرب، يعاقب بألف دولار غرامة مالية كحد أقصى، أو بالحبس لمدة ثلاث سنوات، أو بالعقوبتين معا». وهناك قوانين مشابهة في كثير من دول العالم الحالية.

****

إن إبقاء القوة المسلحة في يد الحكومات، وعدم تخصيصها، أو تخصيص أي جزئية فيها، يُبقي موضوع شن الحروب، واستخدام القوات المسلحة بيد الجهة السيادية. وهذا من شأنه أن يقلص الميل لشن الحروب والاعتداءات المسلحة، التي تقتل وتدمر، كما يحصل عندما تكون هناك قوات تحارب بمقابل مادي، وترى في شن الحروب وتأجيج الصراعات، وتفاقم الخلافات، فرصا لـ«العمل» والارتزاق.

المشكلة، أنه حتى الدول التي تحرم قوانينها هذه الظاهرة، تضعف أمام إغراء شركات الارتزاق هذه، وما تقدمه من تسهيلات، فتستخدم مرتزقة هذه الشركات، تحت أغطية مصطنعة، وحجج واهية. ورغم أن هذه الشركات تتساوى في الجرم مع عصابات الاتجار بالأشخاص، إلا أنها لم تحرم دوليا بعد. وهذه الحقيقة تعد من أبرز نقاط قصور الشرعية الدولية، هذه الشرعية القاصرة أصلا.

كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com