-A +A
رامي الخليفة العلي
في بيان له أعلن وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر محمد الصباح عن جهود مثمرة في إطار الوصول إلى المصالحة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة العربية. البيان الكويتي كلل جهودا بذلت خلال الفترة الماضية سواء من الوسيط الكويتي أو من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام جاريد كوشنر مستشار الرئيس دونالد ترمب بزيارة إلى كل من الرياض والدوحة للدفع باتجاه تلك المصالحة. هذا البيان الكويتي أعقبه تصريحات مرحبة سواء من قبل الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي، أو وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني. هذه البيانات والتصريحات المتوالية تركت أثرها في منطقة الخليج العربي عبر ارتياح رسمي وشعبي وانتظار أن تتكلل الجهود باتفاق نهائي ينهي فترة صعبة في تاريخ مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ويعود الوئام والوفاق بحيث تلتفت دول المجلس إلى تحديات كبيرة تنتظرها سواء كانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية.

كمراقبين ومحللين وحتى كمواطنين خليجيين، يطرح السؤال ما الذي حدث حتى تغير المشهد بشكل كبير، بحيث بدا حل الأزمة الخليجية في متناول اليد؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى أساس الأزمة ونقاط الخلاف الأساسية التي عصفت بالعلاقة بين الطرفين، ويمكن اختصار هذه النقاط في ثلاثة أسباب رئيسية: أولها الموقف مما سمي الربيع العربي، حيث كان لقطر دور، سواء عبر آلتها الإعلامية أو عبر نشاطها الدبلوماسي في مساندة هذه الموجة التي عصفت بالعالم العربي في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. لكن بعيدا عن الموقف القطري بعد مرور عشر سنوات وحتى موقف بعض الأطراف الأخرى فإن هذه الموجة قد انحسرت بشكل كبير وكادت تتلاشى بعدما أيقن المواطن العربي أنها لم تجر عليه سوى الكثير من الآلام والدموع والدماء، بل إن هذه الموجة أضاعت في بعض الدول العربية المنجز الأهم لهذه الدول خلال العقود السبعة الماضية وهو الاستقلال الوطني، فأصبحت هذه الدول نهبا للتدخلات والاحتلالات الأجنبية، ولنا في سوريا واليمن وليبيا أكبر الأمثلة والجراح النازفة. أما النقطة الثانية فهو الموقف من الإسلام السياسي، وبشكل أدق من الجماعات الراديكالية والمتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، فدول المقاطعة العربية أعلنتها بشكل واضح أن هذه الجماعة هي الأساس لمعظم الحركات الراديكالية والمتطرفة والإرهابية، وأن الجماعة غير قادرة أن تكون جماعة سياسية أو أن تكون منظمة اجتماعية أو حتى كيانا دعويا، وإنما هي جماعة تريد أن تفرض رؤاها وتصوراتها على المجتمعات والدول العربية بل وحتى العالم برمته، وهذا ديدن الجماعات المتطرفة، وهذه الجماعة مثلت الأساس الأيديولوجي لجماعات إرهابية مثل داعش والقاعدة وغيرها. هذه الرؤية لم تعد رؤية مقتصرة على دول المقاطعة بل أصبحت رؤية عالمية تتبناها كثير من دول العالم من النمسا إلى الولايات المتحدة مرورا بألمانيا وفرنسا وغيرها. أما النقطة الثالثة فهي وسائل الإعلام التي حاولت أن تكون جزءا من الصراع السياسي في عدد من الدول العربية، وعمدت إلى محاولة لعب دور سياسي يتجاوز الدور الإعلامي المنوط بها، فقد أبانت سنوات الأزمة أنها ليست أكثر من أدوات سياسية وكل حديثها عن الموضوعية والحيادية أصبح في مهب الريح. ونعتقد أن المواطن العربي أصبح قادرا على اكتشاف الغث من السمين في التعامل مع الواقع الإعلامي العربي. لا بد من الإشارة أخيرا إلى الدور المهم للولايات المتحدة التي تبحث عن منجز سياسي في آخر أيام دونالد ترمب في سدة البيت الأبيض، وهذا ما أفرز جهودا أمريكية أكثر جدية هذه المرة.


باختصار شديد فإن التطورات التي عصفت بالمنطقة والديناميكية التي حكمت القضايا مثار الخلاف مهدت الأرضية من أجل الوصول إلى حل ينتظره الجميع، ولكن يبقى التباحث حول كيفية انعكاس هذه الديناميكية في اتفاق ورؤى مشتركة بين الأطراف المعنية. وهذا بالفعل ما يحدث الآن ونأمل أن يصل إلى النهاية المطلوبة.

باحث سياسي

ramialkhalife@