-A +A
علي محمد الحازمي
منذ القرن الثامن عشر عندما ألبسَ الاقتصاديون الاقتصاد ثوباً خاصاً، كعلم مستقل.. منذ ذلك الحين ومشكلة احتكار الأراضي وتأثيرها على النمو الاقتصادي تأخذ حيزاً كثيفاً من المناظرات والمناقشات ومن الكتب العملاقة لعلماء الاقتصاد، حيث إنه عادة ما تظهر مجموعة من المشكلات الاقتصادية والسياسية عندما تصبح ملكية الأراضي المحتكرة في أيدي مجموعة أو طبقة معينة.

دار جدل كبير بين علماء الاقتصاد في تلك الحقبة بشأن الدور الذي يقوم به ملاك الأراضي من حيث التأثير السلبي على النمو الاقتصادي، وكانوا يرون، أي هؤلاء العلماء، أن تلك الطبقة المحتكرة للأراضي، سواء من السياسيين أو الارستقراطيين المقربين من بلاط الحكام، كلهم لعبوا دوراً كبيراً في بقاء تلك الأراضي خارج المنظومة الإنتاجية بسبب عزوف رؤوس الأموال من الاستثمار في الأراضي الزراعية بسبب المبالغة في إيجارات تلك الأراضي، الأمر الذي أدى إلى أزمات اقتصادية نتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج بشكل كبير والتي راح ضحيتها الطبقات الكادحة من العمال.


على الرغم من الفكر الاقتصادي الكلاسيكي الذي كان هو المتسيد في تلك الحقبة والذي يرى بعدم تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي وعلى السوق أن يعيد توازنه بذاته - «مبدأ اليد الخفية» - إلا أن الكثير منهم نادى بتدخل الدولة في فك ذلك الاحتكار وذلك بفرض ضرائب على تلك الأراضي البيضاء، ورأوا أن ملكية الأراضي المركزة في أيدي فئة بعينها قد تضر الاقتصاد بشدة، حتى الذين كانوا يرون بعكس ذلك تراجعوا عن تلك الآراء فيما بعد، لأن اليد الخفية لا تحمي كما تحمي يد الأم طفلها.

أطلق بعض الاقتصاديين في القرون السابقة على هؤلاء المحتكرين في ذلك الوقت مصاصي الدماء، وهو وصف أشد قسوة من الأوصاف التي يطلقها اليوم البعض على تجار العقار مثل «تجار التراب وتجار شاي التلقيمة».

وقد وصف ريكاردو ملاك الأراضي بأنهم يعيشون حياة بطالة ولهو لكنهم يحققون ثروات وربحاً غير مستحق، فبكل بساطة يقوم هؤلاء بجمع الإيجارات في حين يكافح الآخرون من أجل خلق ثروة تساهم في نمو اقتصادي أكثر فاعلية، كما طالب هنري جورج بفرض ضريبة كبيرة على الأراضي البيضاء لأنها ستكون مساهمة في القضاء على الفقر وقادرة على ترويض طمع هؤلاء الملاك وتقضي على الرذيلة والتعاسة وتمنع الفوضى والاستبداد!

كاتب سعودي

Alhazmi_A@