تظل أجمل الأشياء نهايتها، عندما تعالج الأسباب، ويسقط كل شيء في أسر المعقول الذي يقتل الدهشة، وتسحب الارتباك وتغدق الثقة على الفعل، عندما تتوقف اليد عن الارتعاش، ويثبت القلب في مكانه، وتهدأ العاصفة، لم تكن هنالك عاصفة في مسيرة علاجي، وذلك بعد نجاح عمليتي الدقيقة والخطرة على يد أمهر الجراحين في بلادي الدكتور (أحمد عبدالله جمجوم)؛ الرجل الذي له في الفؤاد منزل ومدينة وقدسية وديار، رجل يملك ابتسامة تقول للألم لن تغلبني، مشواره المهني قصة تنحني لها النفوس والأرواح، غير تجربتي مع (المورفين) الأولى كمسكن، أذكر لكم هذه التجربة التي نصت عليها المراجع الطبية وأنا أرتعش الآن، يمنح الله الإنسان جسداً طاهراً.. لا أعلم كيف تسول له نفسه تلويثه بهذا النوع من المخدرات؟ أدخلني علاج الألم (بالمورفين) في ارتباك وخوف، جعلني أرجف كالقصبة في العاصفة، كانت تهطل أمطار الذعر على روحي بكثافة، كان صوتي يفرقع في الرعاية المركزة كأنه قنبلة، كانت الأصوات تأتي إلي بعيدة، بعيدة كأنها قادمة من أعماق بئر ضيقة، البشر بالنسبة لي كانوا أشباحاً يتحركون ببطء في غبش الرؤية، التي بدأ يجتاحها ضباب الغيبوبة، تكلس الإحساس، وانقطاع التفكير، وتوقف الحواس عن أداء مهماتها، كان رأسي يجيء ويروح ذات اليمين وذات الشمال، كأنه رأس آلي سقط منه البرغي، الذي يشد حركته، كنت أتيه في الهلوسة، هلوسة تركض في شعب الخيال، تقترب الوجوه مني حتى التشوه، وتتضاءل حتى تصبح نقطة في نفق مظلم، كابوس لم ينقذني منه سوى ظهور ممرضة سعودية على درجة عالية من الكفاءة والاحترافية والطيبة، كان ذلك المساء الذي أتى بها يشبه الجنة كثيراً، فقد كانت اليسر الوحيد بين عسير اللحظات في حياتي، كانت (هيا فهد الخميسي) صوتا يمتزج بين الحنان والقسوة في بحة واحدة، أخرجتني مما أنا فيه، منعتني من الدخول من باب من يدخله لا يعود، ليس أصعب من فقد تضيع بعده، هناك بعض الديون التي يستحيل سدادها، وفي عنقي دين عن كل لحظة قضيتها بين قامات احترافية متمكنة حنونة نبيلة وعلى جميع الأصعدة سأكتب عنها بالتفصيل في مقالاتي القادمة، فهذا مكان زين سماء حياتي بقوس قزح بعد عاصفة، مكان منحني صفاء وسلاما داخليين وإحساسا بالأمان في منظومة بلادي الصحية الراقية. في مراحل دراستي كلها، كنت إذا أخطأت إملائياً، أو حسابياً، لا أشطب الكلمة لأصححها، ولا أستخدم الممحاة مطلقاً، كنت أمزق الورقة بأكملها، وأبدأ من جديد في صفحة جديدة، وهذا ما سأفعله مع هذا (الورم). لن ألتفت خلفي أبداً، فما تجاوزته بعون الله ودعاء أحبائي يجعلني أتجاوز ضجيجه، من شرفتي يتسلل الصباح.. يد من أولئك الذين يستيقظون وقلوبهم متفائلة بأن كل صباح له رونق يختلف عن ما قبله تضع صينية الإفطار أمامي، أتأمل الخبز الأسمر بلون رمال بلادي.. أبعد حبة البركة عن وجه الرغيف.. أجمعها بأطراف أصابعي.. أنشرها فوق الصينية.. أجعلها على شكل قلب أكتب داخله.. بحبك يا وطني.. يا وطني بحبك.
كاتب سعودي
Fouad5azab@gmail.com
كاتب سعودي
Fouad5azab@gmail.com