أنا في طريقي إلى مواقف العربات (بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة) في انتظار ابني (ريان) الذي سيقلني لمنزلي، استعدت بعضاً من انتعاشي وأنا أستنشق بعضاً من هواء الصباح الندي، أشعة الشمس كانت خجولة، تظهر من خلف الأبنية التي تتقارب ويتداخل بعضها بالبعض الآخر، مثل أوراق وردة قبيل تفتحها، سلام على الأجواء الغائمة، سلام على الفجر الخفي، أخذت أدعو الله الواحد الأحد وأنا في العربة، أن يرزقني الله فرح يعقوب، وإيمان موسى، وفرج يونس، واحتمال نوح، وتقوى يوسف، وطهر عيسى، وصبر أيوب، وزهد محمد صلى الله عليه وسلم، أتأمل المبنى، مستشفى الملك فيصل التخصصي، ليس مشفى ومبنى إطلاقا، بل مدينة طبية تقول تاريخاً وآمالاً وحلماً بما يمكن أن يكون، أتذكر (تخصصي جدة) في بداياته الأولى، كحياة مضت ولم أعد أعرف لمن كانت، كان المكان يرتدي معطفا أكبر من مقاسه في كل شيء، عدا جودة الأداء الطبي، فضاع جسده فيه، وتبعثرت حركة يديه، وانشغل ذهنه في تلاؤم حياته مع كل ذاك الاتساع والظروف، وتمر السنين، ويقيض الله لهذه المؤسسة مجموعة من العلماء النزيهين المحترفين، حملوا هذا المكان نحو الأمل، صححوا مساره، وطوروا مهماته، جعلوه شجرة برقوق تمد بأغصانها عالياً وبعيدا نحو الشمس، الدكتور ماجد إبراهيم الفياض والدكتور ياسين محمد ملاوي والدكتور ناصر عبدالله مهدي، كان قائد أوركسترا الاحتراف هو الدكتور ماجد إبراهيم الفياض، من غزل نوتة تليق بالمكان وبأهدافه وبحاجة مراجعيه، اختار أفراد الأوركسترا بعناية وبراعة، ونما المكان من جديد، ككرمة عنب تستطيع أن تتأمل عرائشها مع الأيام تنمو، جعل للمكان روحاً خاصة، أدهش فيها المتخصصين، وأخرج المكان من السياقات الفردية إلى السياقات الجمعية، اتخذ من لين المعاملة أسلوب علاج، وكان لحكمته أكبر الأثر في جعل المكان أقوى من الفولاذ جودة، وأصلب من الصخر أداء، أغلب الحكمة في اللين، لا في الشدة، الماء في لينه قوي ينفذ في الصخر ويفعل في الحديد، رجل يجيد حسن الإنصات، أفضل العارفين اليوم هم أفضل المنصتين بالأمس، فحين تصغي تتعلم من غيرك، بينما حين تتكلم يتعلم غيرك منك، نموذج فكر إصلاحي حضاري متقدم، انتهجه الدكتور ماجد إبراهيم الفياض والدكتور ياسين محمد علي ملاوي والدكتور ناصر عبدالله مهدي، ثلاثتهم كانوا مشحونين بمشاعر النظر إلى الأمام، يتحدثون لغة مشتركة، ساعدهم على ذلك تجانسهم في التخصص، وانخراطهم في دورات قيادية مهنية متقدمة في أعرق الجامعات العالمية، كانت الحياة تهمس لهم، أنا أمامكم، فاستجابوا لها، وركضوا كفريق وراء رغبة بولادة أخرى لهذا المكان، الثلاثة أتوا من نفس المدرسة، المدرسة التي أتوا منها أكبر من سؤال، أكبر من أستاذ وشهادة، المدرسة التي أتوا منها هي الحياة داخل الحياة، وحصل التغير وحصل التشكيل، وقدم الثلاثة لمجتمع المنطقة الغربية، جنان الفرح الجميل، أفضل نموذج صحي حضاري عالمي فريد ومتميز، هذا هو الخير المطلق، هؤلاء هم عمال الخير في بلادي.. إلى كل الأرواح الثلاث الجميلة.. سلام!!
كاتب سعودي
Fouad5azab@gmail.com
كاتب سعودي
Fouad5azab@gmail.com