عندما يَرِد مصطلح (التراث) وصفاً لما بين أيدينا، فنحن نتحدث عن مخرجات ومسلّمات أقوام سلفوا، منهم علماء الكلام، والخوارج، والأشاعرة، والمعتزلة، والصابئة، والشيعة، والمتصوفة، وغيرهم ممن ومما نشأ وتخلّق في القرون الأولى.
وبمقارنة التراث بالأديان، نقارن البشري بالإلهي، فالدين الذي ارتضاه الله لخلقه ليس تراث أمم وأعراف مجتمعات. وقبل توليد التراث لم يكن سوى الكتب المقدسة التي بلّغ به الأنبياء عليهم السلام.
تمثلت الأديان في الكتب المنزلة في زمن النبوة، وأصبحت بعد عهد الأنبياء (كتباً) تراكمت وعلا بعضها على بعض حتى غدت ما هي عليه اليوم، ومع كل استمرار في الطرح واستعادة واستزادة من التراث نبتعد عن الجوهر ونلتصق بالعَرَض، ونتجافى عن الدين العملي إلى دين خطابي وشعاري.
حالة التسليم العفوي بالتراث دون تساؤل عن الغاية من كل هذه المصنفات ومدى أثرها الإيجابي أو السلبي على حياة الأمم محل نظر، إذ لا يمكن أن تعدل المؤلفات البشرية مهما بلغت من بلاغة كلام الله أوتقاربه، ليس من السهولة بمكان الجزم بأن المرويات النقية لم يعترها ما اعترى سواها من إلحاق بعض العادات والتقاليد والأخلاق والسلوكيات.
ليس مثلباً أن يبقى فينا شيء من ماضينا، وإنما المثلبة أن نبقى نحن في الماضي. التراث جزء من هويتنا وذاكرتنا، إلا أننا لسنا جزءاً منه بمعنى أننا لم ننتجه ولذا فلسنا ملزمين بالسكنى في ما ليس لنا.
من المألوف عقلاً وعرفاً أن يعكّر صفو منبع المنهل النقي ما اعترضه وخالط تمدده الطويل، وما شاب منحدراته، ومنعرجات مصباته، ما أفقده الكثير من نقائه وصفاء لونه، والكنز الثمين المحروس يتغير ويتبدل في ظل تناوشه بالأيدي وملامسته ولو بالتلميع والصياغة لتمرير المغشوش على أنه أصلي.
ما أسرع ما ثارت ملل ونِحل على عصور متخلّقة بالتسامح، وعامرة بالصفح والعفو، فظهرت مذاهب، وطوائف، وسياسات وحكومات، ومدارس واتجاهات ليقع اللبس وتنتفي الموضوعية، ويوظّف النص المؤسِّس لجمع البشرية لصالح طرح ناقم وداع للتشرذم وسوم المختلف والمخالِف سوط عذاب.
من المفارقات الآنية أن يضجر البعض من المشروع السياسي المعاصر، وينعته بالمُباين لعصور مثالية، وعند نقد (عنف التراث) وشراسة ما آل إلينا منه، وفرز ما قرّ بين أيدينا، ترى الضَّجِرَ من السياسي يصخب ويرعد كون التراث إجماع الأمة وموروث خير سلف.
الأديان عقائد وليست تراثاً. والتراث ليس ديناً بل منتج بشري وفهم عقول بحسب إمكاناتها، وخطورته تكمن في إتاحته فرصة الاستناد عليه والاستمداد منه ثقافياً واجتماعياً لتفسير ما حدث ويحدث وتحقيق غاية، أو كسب نفع أو حيازة سيادة.
وإذا ما حكّم الإنسان ضميره، وسلّم بالوعي المتجدد فلن يقبل بدعوى مدع أن كل ما ورثناه من زمن آدم كله أديان يجب اتباعه وتحكيمه! وهو يعلم أن منه ما هو فاسد ومنه مدسوس ومنه باطل ومنه غثاء، ومنه ما يرده الشرع وما يرفضه العقل.
التراث منتج ومنجز الإنسان وإضافاته، والأديان ليس من إنتاج الإنسان، وإن فصّلت بعض الأشخاص وخاطت وألبست وقنّعت بألوان زاهية، وأوزان زائدة، ومعانٍ فائضة عن الحاجة، وغذّته بما هو أكثر من طاقته الاستيعابية حتى أُتخم وغدا قيداً وغِلاً وعبئاً حتى على حامليه وناقليه.
بعض التراث ولّد ضعفاً في ما ينبغي أن يكون قوياً، وزيّن المبالغة في ما يجب أن يكون معتدلاً، وهذه التراكمات الشكلية التي يتمسك بها بعض المتعصبين أقصت عن السمو الروحي، هي ذات الشكليات من تراث المؤلفات والمخطوطات التي جاءت إثر عصور الأنبياء لتنقلنا من المتن للهامش، وتغرينا بالقشور حجباً للُب.
إنْ أمكننا قراءة التراث قراءة غير أيديولوجية ولا مسيّسة، سيتضح لنا أنهم أثقلوه أكثر مما يجب.
كاتب سعودي
Al_ARobai@
وبمقارنة التراث بالأديان، نقارن البشري بالإلهي، فالدين الذي ارتضاه الله لخلقه ليس تراث أمم وأعراف مجتمعات. وقبل توليد التراث لم يكن سوى الكتب المقدسة التي بلّغ به الأنبياء عليهم السلام.
تمثلت الأديان في الكتب المنزلة في زمن النبوة، وأصبحت بعد عهد الأنبياء (كتباً) تراكمت وعلا بعضها على بعض حتى غدت ما هي عليه اليوم، ومع كل استمرار في الطرح واستعادة واستزادة من التراث نبتعد عن الجوهر ونلتصق بالعَرَض، ونتجافى عن الدين العملي إلى دين خطابي وشعاري.
حالة التسليم العفوي بالتراث دون تساؤل عن الغاية من كل هذه المصنفات ومدى أثرها الإيجابي أو السلبي على حياة الأمم محل نظر، إذ لا يمكن أن تعدل المؤلفات البشرية مهما بلغت من بلاغة كلام الله أوتقاربه، ليس من السهولة بمكان الجزم بأن المرويات النقية لم يعترها ما اعترى سواها من إلحاق بعض العادات والتقاليد والأخلاق والسلوكيات.
ليس مثلباً أن يبقى فينا شيء من ماضينا، وإنما المثلبة أن نبقى نحن في الماضي. التراث جزء من هويتنا وذاكرتنا، إلا أننا لسنا جزءاً منه بمعنى أننا لم ننتجه ولذا فلسنا ملزمين بالسكنى في ما ليس لنا.
من المألوف عقلاً وعرفاً أن يعكّر صفو منبع المنهل النقي ما اعترضه وخالط تمدده الطويل، وما شاب منحدراته، ومنعرجات مصباته، ما أفقده الكثير من نقائه وصفاء لونه، والكنز الثمين المحروس يتغير ويتبدل في ظل تناوشه بالأيدي وملامسته ولو بالتلميع والصياغة لتمرير المغشوش على أنه أصلي.
ما أسرع ما ثارت ملل ونِحل على عصور متخلّقة بالتسامح، وعامرة بالصفح والعفو، فظهرت مذاهب، وطوائف، وسياسات وحكومات، ومدارس واتجاهات ليقع اللبس وتنتفي الموضوعية، ويوظّف النص المؤسِّس لجمع البشرية لصالح طرح ناقم وداع للتشرذم وسوم المختلف والمخالِف سوط عذاب.
من المفارقات الآنية أن يضجر البعض من المشروع السياسي المعاصر، وينعته بالمُباين لعصور مثالية، وعند نقد (عنف التراث) وشراسة ما آل إلينا منه، وفرز ما قرّ بين أيدينا، ترى الضَّجِرَ من السياسي يصخب ويرعد كون التراث إجماع الأمة وموروث خير سلف.
الأديان عقائد وليست تراثاً. والتراث ليس ديناً بل منتج بشري وفهم عقول بحسب إمكاناتها، وخطورته تكمن في إتاحته فرصة الاستناد عليه والاستمداد منه ثقافياً واجتماعياً لتفسير ما حدث ويحدث وتحقيق غاية، أو كسب نفع أو حيازة سيادة.
وإذا ما حكّم الإنسان ضميره، وسلّم بالوعي المتجدد فلن يقبل بدعوى مدع أن كل ما ورثناه من زمن آدم كله أديان يجب اتباعه وتحكيمه! وهو يعلم أن منه ما هو فاسد ومنه مدسوس ومنه باطل ومنه غثاء، ومنه ما يرده الشرع وما يرفضه العقل.
التراث منتج ومنجز الإنسان وإضافاته، والأديان ليس من إنتاج الإنسان، وإن فصّلت بعض الأشخاص وخاطت وألبست وقنّعت بألوان زاهية، وأوزان زائدة، ومعانٍ فائضة عن الحاجة، وغذّته بما هو أكثر من طاقته الاستيعابية حتى أُتخم وغدا قيداً وغِلاً وعبئاً حتى على حامليه وناقليه.
بعض التراث ولّد ضعفاً في ما ينبغي أن يكون قوياً، وزيّن المبالغة في ما يجب أن يكون معتدلاً، وهذه التراكمات الشكلية التي يتمسك بها بعض المتعصبين أقصت عن السمو الروحي، هي ذات الشكليات من تراث المؤلفات والمخطوطات التي جاءت إثر عصور الأنبياء لتنقلنا من المتن للهامش، وتغرينا بالقشور حجباً للُب.
إنْ أمكننا قراءة التراث قراءة غير أيديولوجية ولا مسيّسة، سيتضح لنا أنهم أثقلوه أكثر مما يجب.
كاتب سعودي
Al_ARobai@