تدلف إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض والنظام الإيراني يرزح تحت عقوبات قاسية، إزدادت وطأتها في العام الماضي تبعاً لانتشار فايروس كورونا وتهلهل البنية الصحية في إيران، وسوء إدارة الأزمة بسبب الحرص على المكاسب الاقتصادية من زيارات قم ومشهد، والتابوهات الأيديولوجية التي أسهمت في النهاية بتحول المزارات لبؤر انتشار للفايروس.
إيران تتوقع مع جو بايدن أن يتفاوض حول الاتفاق النووي، وقد يكون السيناريو المثالي، هو العودة للاتفاق النووي كما كان، ورفع العقوبات الاقتصادية عن طهران بالمقابل، وبالتالي تكون الخطوة الوحيدة المطلوبة من إيران هي التراجع عن رفع نسب تخصيب اليورانيوم التي وصلت مؤخراً لـ20% وصولاً إلى النسبة المتفق عليه بنحو 3.67%.
وهذا التصعيد النووي يهدف بالأساس لجعلها ورقة تفاوض تزيح النقاش عن مشروع الصواريخ الباليستية عن موضوع النقاش، وهو الموضوع الذي اكتسب أهمية في الإستراتيجية العسكرية الإيرانية، عقب إسناده لفخري نوري زادة والذي يسمى بأب المشروع النووي الإيراني، قبل أن تتم تصفيته في ديسمبر الماضي.
إيران تدرك ضعفها الاقتصادي وتأثير ذلك على قدرتها على تمويل أذرعها، وعلى تسيير الميزانية الحكومية، والتي تأثرت بالعقوبات وانخفاض سعر النفط، وما أصاب قيمة العملة من تراجع كبير في العامين الأخيرين، بالإضافة إلى فشل عدة خطط إنقاذية، منها القرض من صندوق النقد الدولي، وفشل تقديم قرض روسي، أو خط تمويل أوروبي مقابل مبيعات نفط آجله.
وبالحديث عن الأوروبيين يتضح في إستراتيجية بايدن حرصه على رأب الصدع مع حلفاء واشنطن التقليديين، والتي أصابها ما أصابها خلال فترة ترمب، وهذا يتضح من عزمه بدء لقاءاته مع رئيس الوزراء الكندي، وهي سياسة تستهدف في نهاية المطاف التصدي للصين مع التعاون مع الحلفاء الأوروبيين، والحلفاء الآسيويين (أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية).
وفي ورقة بحثية لمعهد بروكنجز نشرت في أكتوبر 2018، بعد خروج إدارة ترمب من الاتفاق النووي، تلخص الورقة أخطاء الأطراف الأوروبية الثلاثة E3 في خطة العمل الشاملة المشتركة، بأن مالت الدول الأوروبية إلى تضخيم الفوارق بين فصيلَي المتشدّدين والمعتدلين في النظام الإيراني.
وهذه الورقة التي بدأت لعبها طهران اليوم، عبر تضخيم الحديث عن الانتخابات الإيرانية المزمع قيامها في يونيو القادم، وكأنها ستحدث الشهر القادم، مسوقين لفكرة نهاية فترة روحاني الثانية، وعدم قدرته للترشح مجدداً بحسب الدستور الإيراني، وتلويح بتجهيز المرشد لقيادات من الحرس الثوري الإيراني لمنصب رئيس الجمهورية، مع التلويح بفرص ترشح جواد ظريف للرئاسة وهو بالطبع أحد طهاة الاتفاق السابق.
من جانب آخر أضافت الورقة حول التعامل الأوروبي مع إيران بعد الاتفاق في 2015، «أخطأت أوروبا باعتماد تطبيق استنباطي، فافترضت أن تنعكس سياسةُ الالتزام البنّاء، التي أدّت إلى خطّة العمل الشاملة المشتركة، على تغييرات شبيهة في سياسات إيران الإقليمية».
ولعل الملعب السوري هو الأبرز بالنسبة للأوروبيين، فلم تتحول إيران إلى دولة أكثر مرونة وأقل جنوحاً إلى السيناريو العسكري في قتل الأبرياء من السوريين، ولا أظهرت مرونة سياسة حول مصير الأسد، وبالطبع ظهرت هذه الصلافة مع الأذرع الإقليمية الأخرى في العراق ولبنان واليمن.
اليوم لم يبق شيء للتوقعات، فقد جُرب الإصلاحيون والمتشددون، وتبين تطابق مواقفهم الدولية والعسكرية، كما جُربت إيران تحت العقوبات وعند رفعها بعيد الاتفاق، وتبين أن إيران لا ترضخ إلا تحت الضغوطات الاقتصادية، وأن رياح الوقت في ظل العقوبات ضدها مهما لوحت وصعدت عسكرياً عكس ذلك.
كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
إيران تتوقع مع جو بايدن أن يتفاوض حول الاتفاق النووي، وقد يكون السيناريو المثالي، هو العودة للاتفاق النووي كما كان، ورفع العقوبات الاقتصادية عن طهران بالمقابل، وبالتالي تكون الخطوة الوحيدة المطلوبة من إيران هي التراجع عن رفع نسب تخصيب اليورانيوم التي وصلت مؤخراً لـ20% وصولاً إلى النسبة المتفق عليه بنحو 3.67%.
وهذا التصعيد النووي يهدف بالأساس لجعلها ورقة تفاوض تزيح النقاش عن مشروع الصواريخ الباليستية عن موضوع النقاش، وهو الموضوع الذي اكتسب أهمية في الإستراتيجية العسكرية الإيرانية، عقب إسناده لفخري نوري زادة والذي يسمى بأب المشروع النووي الإيراني، قبل أن تتم تصفيته في ديسمبر الماضي.
إيران تدرك ضعفها الاقتصادي وتأثير ذلك على قدرتها على تمويل أذرعها، وعلى تسيير الميزانية الحكومية، والتي تأثرت بالعقوبات وانخفاض سعر النفط، وما أصاب قيمة العملة من تراجع كبير في العامين الأخيرين، بالإضافة إلى فشل عدة خطط إنقاذية، منها القرض من صندوق النقد الدولي، وفشل تقديم قرض روسي، أو خط تمويل أوروبي مقابل مبيعات نفط آجله.
وبالحديث عن الأوروبيين يتضح في إستراتيجية بايدن حرصه على رأب الصدع مع حلفاء واشنطن التقليديين، والتي أصابها ما أصابها خلال فترة ترمب، وهذا يتضح من عزمه بدء لقاءاته مع رئيس الوزراء الكندي، وهي سياسة تستهدف في نهاية المطاف التصدي للصين مع التعاون مع الحلفاء الأوروبيين، والحلفاء الآسيويين (أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية).
وفي ورقة بحثية لمعهد بروكنجز نشرت في أكتوبر 2018، بعد خروج إدارة ترمب من الاتفاق النووي، تلخص الورقة أخطاء الأطراف الأوروبية الثلاثة E3 في خطة العمل الشاملة المشتركة، بأن مالت الدول الأوروبية إلى تضخيم الفوارق بين فصيلَي المتشدّدين والمعتدلين في النظام الإيراني.
وهذه الورقة التي بدأت لعبها طهران اليوم، عبر تضخيم الحديث عن الانتخابات الإيرانية المزمع قيامها في يونيو القادم، وكأنها ستحدث الشهر القادم، مسوقين لفكرة نهاية فترة روحاني الثانية، وعدم قدرته للترشح مجدداً بحسب الدستور الإيراني، وتلويح بتجهيز المرشد لقيادات من الحرس الثوري الإيراني لمنصب رئيس الجمهورية، مع التلويح بفرص ترشح جواد ظريف للرئاسة وهو بالطبع أحد طهاة الاتفاق السابق.
من جانب آخر أضافت الورقة حول التعامل الأوروبي مع إيران بعد الاتفاق في 2015، «أخطأت أوروبا باعتماد تطبيق استنباطي، فافترضت أن تنعكس سياسةُ الالتزام البنّاء، التي أدّت إلى خطّة العمل الشاملة المشتركة، على تغييرات شبيهة في سياسات إيران الإقليمية».
ولعل الملعب السوري هو الأبرز بالنسبة للأوروبيين، فلم تتحول إيران إلى دولة أكثر مرونة وأقل جنوحاً إلى السيناريو العسكري في قتل الأبرياء من السوريين، ولا أظهرت مرونة سياسة حول مصير الأسد، وبالطبع ظهرت هذه الصلافة مع الأذرع الإقليمية الأخرى في العراق ولبنان واليمن.
اليوم لم يبق شيء للتوقعات، فقد جُرب الإصلاحيون والمتشددون، وتبين تطابق مواقفهم الدولية والعسكرية، كما جُربت إيران تحت العقوبات وعند رفعها بعيد الاتفاق، وتبين أن إيران لا ترضخ إلا تحت الضغوطات الاقتصادية، وأن رياح الوقت في ظل العقوبات ضدها مهما لوحت وصعدت عسكرياً عكس ذلك.
كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com