-A +A
نجيب يماني
ذكرت عكاظ العدد (19820) أن عقد زواج التجربة أثار جدلاً واسعاً في مصر بعد أن تم عقد أول زواج من هذا النوع وفيه يوقع الطرفان على عقد يتضمن بعض الشروط مثل الأمور المالية وعمل الزوجة والرغبة في الإنجاب ويلتزم الزوجان بعدم الانفصال في مدة أقصاها من 3-5 سنوات.

يتم خلالها تقييم تجربة الزواج إما باستمرارها أو الانفصال وانتهاء العشرة في حالة الإخلال بأحد الشروط، وتعتبر هذه الشروط ضمانة لعدم الطلاق المبكر، وما يترتب عليه من مشاكل وضياع الأطفال وتشتت الأسر.


إن وضع الشروط في صلب عقد النكاح هو حق من حقوق المرأة خاصة في ما يعود عليها بالنفع أو تكون هي في حاجة إليه لكبح زمام الرجل وتعسفه في رفع سلاح الطلاق والتهديد به حتى في أبسط الأمور.

لذا فقد قرر الإسلام للمرأة أن تشترط ما تشاء في عقد النكاح فلها حق الاشتراط بعدم خروجها من بلدها أو أن تكون الوحيدة في حياته ولا زوجة غيرها ولها حق الاشتراط أن لا يتزوج عليها بل ولها حق الاشتراط أن لا يطأها الزوج ولا تحمل منه.

فكل شروط المرأة في الزواج أقرها أهل العلم واعتبروها صحيحة واجبة الوفاء ولها حق الفسخ بدون عِوَض إذا تم مخالفة الشروط قال به المرداوي في الانصاف والبهوتي في الكشاف وابن قدامة في المغني وغيرهم وقد اعتمدوا على حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام «إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج».

وقد أقر مجمع الفقه الإسلامي لعام 1427هـ في مكة المكرمة جواز (زواج فرند) وقال إنه حلال على أساس أنه زواج صحيح توفرت فيه أركان وشروط النكاح الشرعي الصحيح؛ وهو كل عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة على أن تكون المرأة غير محرم على الرجل بنسب أو رضاع أو صهر يمنع هذا النكاح وتسمى (الموانع الشرعية)، والركن الأهم في الزواج هو الإيجاب والقبول بين الطرفين.

أما شروط النكاح فهي محل خلاف بين فقهاء الإسلام كوجود الولي والشهود والإشهار، وطالما أن المسألة محل خلاف فللمسلم الأخذ بأيهما يشاء. ولا يحق لأحد من الناس تفسيق من أخذ بأي قول من أقوال الخلاف فلا يدري أحد بما في صدور الناس من النوايا والمقاصد.

ولعل زواج (التجربة) هذا لا يختلف في مضمونه عن أشكال النكاح المستحدثة التي ظهرت مؤخراً مثل زواج المسيار ويقصد به نكاح السر أو استكتام الشهود مع استيفاء باقي الأركان والشروط أو زواج الليل أو النهار أو الزواج بنية الطلاق أو الزواج العرفي أو الزواج السري أو زواج فرند وغيره من أشكال الزواج المستحدثة.

فهذه الأشكال من الأنكحة في حقيقتها صحيحة شرعية لا غبار عليها طالما استوفت أركان الزواج المقيدة وشروطه المختلف عليها من قبل أهل العلم مثل الإشهاد والإشهار ووجود الولي، فالإمام أحمد قال يصح العقد بغير شهود وفعله عدد من الصحابة وقال أبو حنيفة إن المرأه تزوج نفسها دون ولي.

فلا يجوز لأحد من الناس أن يطلق على هذه الأنكحة الصحيحة أنها (زنا) وحرام وباطل وسفاح، فالزنى أساساً ليس له عقد أو شرط وهو لا يشبه بأي صورة الزواج الشرعي الصحيح، وهذه الأنواع من الأنكحة المستحدثة هي أسلم للمؤمن من الوقوع في الحرام أو ممارسة الفاحشة خارج نطاق الزوجية والتحصن ضد الحرام وتوسيع على الأمة في دنياهم؛ تحقيقاً للغريزة التي أودعها الله فيهم ولكل إنسان ظروفه الخاصة والتي تجعله يقدم على أحد هذه الأنكحة بقصد السلامة من الوقوع في الحرام.

وزواج (التجربة) من المؤكد أنه يتم بأركان وشروط الزواج الصحيحة وشروط النكاح أوكد منها في البيع والإجارة وقوله عليه الصلاة والسلام «المسلمون على شروطهم».

فهو عقد صحيح لا غش فيه ولا تدليس يقول ابن تيمية في الفتاوى الرجل يقصد الزواج ويرغب فيه ولكنه لا يريد دوام المرأة معه وهذا ليس بشرط فدوام المرأة معه ليس بواجب بل له أن يطلقها فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة فقد قصد أمراً جائزاً.

ويقول الإمام مالك وقد يتزوج الرجل المرأه على غير إمساك فيسره أمرها فيمسكها وقد يتزوجها يريد إمساكها ثم يرى منها ضد الموافقة فيفارقها.

إن زواج التجربة قد يتشابه مع الزواج بنية الطلاق في مفهومه العام، وهو يساعد الزوجين على بناء حياة سعيدة موفقة ترسو مراكبها على شاطئ الأمن والأمان وقد يستمر هذا الزواج إلى آخر العمر ويكون زواجاً ناجحاً ترضاه الفتاة ويقنع به الرجل فهو زواج صحيح مكتمل الأركان والشروط.

فلا ينبغي في شرع الله أن يكون المعيار في الحكم على تصرفات الناس ومعاملاتهم بما يستقبحه الناس أو يستحسنونه بل بما ورد في شرع الله ورسوله وما توصل إليه الأئمة بالاجتهاد والنظر في نصوص الوحيين وما يتبعها من إجماع أو قياس على أصل، وعلى فقهاء الأمه أن يجتهدوا برأيهم في كل مستجد فالباب مفتوح ومقاصد الشريعة باب واسع من أبواب الفقه.

كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com