استنكرتْ «أُم شدّاد» على زوجها استيقاظه المُبكّر، وغيابه لحزة الضحى، وعودته بمناقل للجمل، وخِيْ، وقلقلة لتعليقها في رقبته، وجِلَالة مكتّلة. سألته: وشبك تدّهِر من صلاة ربّ العالمين؟ لم يردّ على السؤال، وطلب منها توقظ (شدّاد) ليسرحوا يروّشون الجمل. علّقت ؛ أخاف أنك أكلت دنقه، من يروّش الجمل؟
سرحا لغدير يتفيأ ظلال شجرة غَرَبْ، وتتناغم مع خرير مياهه تغاريد الطيور، والراعيات مقبلات عليه، موردات بالغنم، استوى بمجرى الوادي، وبرّكه وسط المسيل، وطلب من ابنه يجمع له من الشث، والعثرب، ليدعك بها ظهره وبطنه وجنوبه، ولمحتهم جارتهم الأنيقة، وهي تحت العشة تحمي العنب، فتناولت حبّة رمان وفقشتها نصفين. ناولت (أبو شداد) النصف، وقسمت النصف الآخر بينها وبين شدّاد، اختارت ركناً محاذياً للجمّال، بعيداً عن وهج شعاع الشمس، وفكّتْ رباط حوكتها وافترشتها، تواست ونشدته: كيف لك تغسّل الجمل في ذا النهار أربّك بتبيعه؟ فأجابها؛ أنا فدى بطنك، بنروّح فوقه، بنت العريفة عروس، مرواحها دور اليوم.
حلّ الخميس، وقرّب (أبو شداد) الجمل من سدة باب بيت العريفة. طلب من زوجته ومن أم العروس تساعدانها على الركوب، وتعنّزان لها بمساند حتى لا تميل وتطيح، شد الخطام إلى الأرض، وأدار بصره باتجاه معاكس. سار الجمل، والنسوان ساقته بالدفوف، وعيون الجمّال ما تغفل خشية ميلان المحمل. يقود بيده اليمين ويتوكأ عصاه باليسار ويتلفت.
طمى عن القرية، و حميَت شمس الظهيرة، فشعرت العروس بماغص، وطلبت من أمها التوقف، فقال أبو شدّاد ؛ إن لله، من أوّلها، هذي نفعتك يا العريفة تريّح نفسك، وتنشبني مع ضعايف ربي، عشان كروة ريالين.
سأل أمها: وش أكّلتموها ؟، فأجابت الأم وهي تنزّلها؛ والله ما ذاقت الذوق من أمسي، لكن أبوها غصبها بزيت خروع لين ترعته من خشومها، ولك الله ما تحرّك في بطنها إلا ذلحين، حرّكته القايلة وخضخضة الجمل.
تلثّم الجمّال بعمامته، وهو يداري ضحكته وعلّق ساخراً؛ أقدى. هيا أنزلوا بها جنب البير. وأضاف: يا ليتنا ما غسلنا الجمل.
توقّف بها ثلاث مرات. كل مرة أطول عليه من ليلة ما فيها العشا، ومع كل إنزال ربكة ترتيب وتحميل ووزن، شارفوا على قرية العريس، فاستقبلهم الشاب المحتزم بالمسبت، وتناول البندق من يد والده، وأطلق ثلاث رصاصات في الهواء. قال الجمّال: كان. كان. نعمة لا تخرعها، ويهرها بطنها، اللي جاها كفاها.
لم يسمع العريس ما قال مع الغطرفة وتعالي ضرب الدفوف. افتك الخطام من يده وبدأ يوجّه الجمل، ليبرك ؛ إخ. إخ، واستنزل العروس، ورفع عن وجهها المعصب الأخضر الشفيف، ومسك بيدها ودخل بها بين النساء ورائحة الكادي ضاكة.
رحّبت أم العريس بمحرافين محبوكة، لا تخلو من تباهي واعتداد بالحالة المنعمة التي هم فيها «يا مرحبا مرحبا عِداد غصن تدنّى، فرشتْ للهيل طاقة من حرير مثنّى»، فانفعلت شاعرة أهل العروس وردّت «ما جيت للشُعفان بي قُل عِيشة، إلا حشيمة للعيون المريشة»، الدبك النسائي يهز البيت، والعروس حذرة لم تتحرك، خشية ثوران بطنها.
ثلاثة أيام والفرح والشَرَح على قدم وساق، وجبات وقهاوي وشواهي، وقصائد، وعندما رجعوا للقرية زاد الطلب على جمل أبوشدّاد. فقال: الله يسقي جُرّتك بالسيل يا بنت العريفة. احتراه تاجر القرية في ظُلة المسيد، وقال؛ داخل على الله ثم عليك تكريني الجمل معي أرزاق ودي أنقلها من فورت الداهية إلى الدكان، فقال: أبشر بسعدك. وصل البيت وجاءت زوجة جارهم اللي فقشت له الرمانة، ولفّت الشرشف على رقبته وطلبته الجمل، فرد عليها: جاك الجمل بما حمل، فقالت: ما جاك بأس يا عريب الساس. خزرته زوجته بنظرة ناقمة، وقالت للجارة: فكي شرشفك من رقبة الرجال خنقتيه. علّق بصوت خافت؛ والله ما بك إلا جكرة من ريحة شرشفها اللي تفنّك.
وأثناء تناول اللقمة الأولى من صحن القراص سمع صوت الفقيه ينادي: يا بو شداد، وطى اللقمة وقام، سأله: بقّت لي أُختي أم شداد قُرّاص؟ أجابه: يا حُبّك في اللخلخة يا فقيه. فرش له الجاعد، ومد السفرة،، وأكلا ما تبقى من حلّة القراص، وأبو شداد يراقب ويردد ؛ بالعافية. مضت أيام خمسة، والفقيه ما يطب المسيد، سألوا عنه ؛ قالوا القراص اللي أكله عند أبو شداد سمط بطنه.
كاتب سعودي
Al_ARobai@
سرحا لغدير يتفيأ ظلال شجرة غَرَبْ، وتتناغم مع خرير مياهه تغاريد الطيور، والراعيات مقبلات عليه، موردات بالغنم، استوى بمجرى الوادي، وبرّكه وسط المسيل، وطلب من ابنه يجمع له من الشث، والعثرب، ليدعك بها ظهره وبطنه وجنوبه، ولمحتهم جارتهم الأنيقة، وهي تحت العشة تحمي العنب، فتناولت حبّة رمان وفقشتها نصفين. ناولت (أبو شداد) النصف، وقسمت النصف الآخر بينها وبين شدّاد، اختارت ركناً محاذياً للجمّال، بعيداً عن وهج شعاع الشمس، وفكّتْ رباط حوكتها وافترشتها، تواست ونشدته: كيف لك تغسّل الجمل في ذا النهار أربّك بتبيعه؟ فأجابها؛ أنا فدى بطنك، بنروّح فوقه، بنت العريفة عروس، مرواحها دور اليوم.
حلّ الخميس، وقرّب (أبو شداد) الجمل من سدة باب بيت العريفة. طلب من زوجته ومن أم العروس تساعدانها على الركوب، وتعنّزان لها بمساند حتى لا تميل وتطيح، شد الخطام إلى الأرض، وأدار بصره باتجاه معاكس. سار الجمل، والنسوان ساقته بالدفوف، وعيون الجمّال ما تغفل خشية ميلان المحمل. يقود بيده اليمين ويتوكأ عصاه باليسار ويتلفت.
طمى عن القرية، و حميَت شمس الظهيرة، فشعرت العروس بماغص، وطلبت من أمها التوقف، فقال أبو شدّاد ؛ إن لله، من أوّلها، هذي نفعتك يا العريفة تريّح نفسك، وتنشبني مع ضعايف ربي، عشان كروة ريالين.
سأل أمها: وش أكّلتموها ؟، فأجابت الأم وهي تنزّلها؛ والله ما ذاقت الذوق من أمسي، لكن أبوها غصبها بزيت خروع لين ترعته من خشومها، ولك الله ما تحرّك في بطنها إلا ذلحين، حرّكته القايلة وخضخضة الجمل.
تلثّم الجمّال بعمامته، وهو يداري ضحكته وعلّق ساخراً؛ أقدى. هيا أنزلوا بها جنب البير. وأضاف: يا ليتنا ما غسلنا الجمل.
توقّف بها ثلاث مرات. كل مرة أطول عليه من ليلة ما فيها العشا، ومع كل إنزال ربكة ترتيب وتحميل ووزن، شارفوا على قرية العريس، فاستقبلهم الشاب المحتزم بالمسبت، وتناول البندق من يد والده، وأطلق ثلاث رصاصات في الهواء. قال الجمّال: كان. كان. نعمة لا تخرعها، ويهرها بطنها، اللي جاها كفاها.
لم يسمع العريس ما قال مع الغطرفة وتعالي ضرب الدفوف. افتك الخطام من يده وبدأ يوجّه الجمل، ليبرك ؛ إخ. إخ، واستنزل العروس، ورفع عن وجهها المعصب الأخضر الشفيف، ومسك بيدها ودخل بها بين النساء ورائحة الكادي ضاكة.
رحّبت أم العريس بمحرافين محبوكة، لا تخلو من تباهي واعتداد بالحالة المنعمة التي هم فيها «يا مرحبا مرحبا عِداد غصن تدنّى، فرشتْ للهيل طاقة من حرير مثنّى»، فانفعلت شاعرة أهل العروس وردّت «ما جيت للشُعفان بي قُل عِيشة، إلا حشيمة للعيون المريشة»، الدبك النسائي يهز البيت، والعروس حذرة لم تتحرك، خشية ثوران بطنها.
ثلاثة أيام والفرح والشَرَح على قدم وساق، وجبات وقهاوي وشواهي، وقصائد، وعندما رجعوا للقرية زاد الطلب على جمل أبوشدّاد. فقال: الله يسقي جُرّتك بالسيل يا بنت العريفة. احتراه تاجر القرية في ظُلة المسيد، وقال؛ داخل على الله ثم عليك تكريني الجمل معي أرزاق ودي أنقلها من فورت الداهية إلى الدكان، فقال: أبشر بسعدك. وصل البيت وجاءت زوجة جارهم اللي فقشت له الرمانة، ولفّت الشرشف على رقبته وطلبته الجمل، فرد عليها: جاك الجمل بما حمل، فقالت: ما جاك بأس يا عريب الساس. خزرته زوجته بنظرة ناقمة، وقالت للجارة: فكي شرشفك من رقبة الرجال خنقتيه. علّق بصوت خافت؛ والله ما بك إلا جكرة من ريحة شرشفها اللي تفنّك.
وأثناء تناول اللقمة الأولى من صحن القراص سمع صوت الفقيه ينادي: يا بو شداد، وطى اللقمة وقام، سأله: بقّت لي أُختي أم شداد قُرّاص؟ أجابه: يا حُبّك في اللخلخة يا فقيه. فرش له الجاعد، ومد السفرة،، وأكلا ما تبقى من حلّة القراص، وأبو شداد يراقب ويردد ؛ بالعافية. مضت أيام خمسة، والفقيه ما يطب المسيد، سألوا عنه ؛ قالوا القراص اللي أكله عند أبو شداد سمط بطنه.
كاتب سعودي
Al_ARobai@