-A +A
محمد الساعد
عملت إيران جاهدة على توسيع نفوذها السياسي عبر الولاء الطائفي، لم تكن أبداً مقنعة سياسياً، لذلك استغلت العاطفة الدينية وحاولت توجيهها لتنفيذ أجندتها العنصرية (الفارسية)، لم تكتف بذلك بل سعت لربط المرجعيات الشيعية في العالم بها لتكون مقراً ومصنعاً للفتاوى والتوجيهات العابرة حتى بدلاً من المرجعيات التقليدية -العراقية مثالاً-، بل وقامت بصنع نموذجها الخاص لتشكل في نهاية الأمر المخزن السياسي والأمني والديني لمعتنقي المذهب الشيعي.

وككل الأفكار الرومانسية في التاريخ، راجت الفكرة الإيرانية في بداياتها، وهي المستندة على تخريجة جديدة طرحها «الخميني» تقول: إنه وكيل الإمام الغائب وبالتالي سينفذ وصاياه وسيقترب من أفكاره حتى يعود.


بالطبع لقيت هذه «التخريجة» قبولاً واسعاً في الأوساط الشيعية، وخاصة مع وجود الخميني نفسه على رأس النظام الإيراني، ولكن وبعد أربعة عقود يبدو الواقع اليوم مختلفاً تماماً عن بداياته، فالكثير من متقلدي المذهب اكتشفوا أن ذلك لم يحقق لهم الوظائف والأمن والحياة الرغيدة التي يسعون لها ككل البشر، بل إن كل بلد تستطيع إيران اختراقه يصبح منحوساً ويتحول لبلد فاشل -العراق، سوريا، لبنان، اليمن- نموذجاً، أربعة بلدان تعيث فيها الفوضى هذا فضلاً عن إيران نفسها، ويكاد يصبح الناس تحت خط الفقر والموت بسبب سيطرة الملالي وتحكمهم في المفاصل السياسية والاقتصادية والأمنية.

الإيرانيون لم يتركوا لردات الفعل الشعبية سبيلاً، حتى من متقلدي مذهبهم، فخلقوا مقاولين من الباطن ينفذون التوجيهات الأمنية ويفرضون الوصاية الفارسية بقوة الرصاص فإما أن تكون «عبداً» ذليلاً للسياسة الإيرانية أو يتم وضعك تحت طائلة الإرهاب.

في العراق عشرات الميليشيات التي تتبع مباشرة خلفاء قاسم سليماني، وكذلك في سوريا ولبنان وصعدة، هؤلاء مبرمجون على تنفيذ التوجيهات بغض النظر عن مقاربتها للشأن الداخلي في بلدانهم الأصلية.

الغرب هو المعادلة الغريبة في العلاقة مع إيران، فلا يستطيع أحد منهم الدفاع عن التصرفات الإيرانية ولا تبرير أفعالها من أفغانستان شرقاً وحتى صعدة جنوب الجزيرة العربية، فعلى المستوى الداخلي إيران هي واحدة من أسوأ الدول في حقوق الإنسان بل الأسوأ، فلا محاكمات عادلة ولا استيقاف حضاري للمتهمين، والسلطات القضائية غير مستقلة، وشريعة الملالي هي السائدة بناء على مزاجهم وحاجاتهم، والشعب الإيراني في أغلبه تحت الاحتلال من السلطة الحاكمة ومليشياتها.

أما على مستوى التنمية والتفرغ لبناء بلادهم، فالحكومة الإيرانية نموذج سيئ لاقتصاد منهار وبلد بلا خطط ولا تنمية معتبرة، وأصبحت الحكومة متفرغة لبناء المفاعلات النووية بحثاً عن قنبلة تهدد بها جيرانها، وإرسال الصواريخ العابرة لخصومها والاستثمار في الميليشيات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان وإيران وصرف عوائد البترول عليها وعلى قياداتها.

طهران هي من فجر في الأرجنتين، وهي من حاول اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وهي من قتل الجنود الأمريكان في العراق، وهي من لاحق المعارضين وقتلهم في عواصم أوروبا، وهي المتهم الأول في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهي حليفة وحاضن للقاعدة من أسامة بن لادن إلى الظواهري حالياً، فهل هذا مقبول غربياً!!

إذن، ماهي الرسالة التي يريد تقديمها الغرب للعالم، من هذا الاحتضان والتفاوض والتعويم بل وقبول الرواية الإيرانية في كل الملفات العالقة في منطقة الشرق الأوسط.

إذا كنت دولة إرهابية وتعمل خارج القانون وتمول العصابات وتقتل على الهوية الدينية وتلاحق المعارضين وتقتل المخالفين، وتتعرض لخطوط الطاقة، وتقصف مراكز الإنتاج، وتلوي ذراع الغرب، عندها يتم قبول نزقك السياسي والإرهابي والتفاوض معك، فهل هذا حقاً ما يريده الاتحاد الأوروبي وواشنطن وبكين وموسكو وهل يريدون من بقية الدول أن تحذو حذو طهران.

كاتب سعودي

massaaed@