يعرف «الاستقرار السياسي» بأنه: استتباب الأمن والنظام على أسس تقبلها غالبية المعنيين. وهذا الاستقرار ضروري للحياة العامة، ضرورة الماء والهواء. ولا يمكن لدولاب الحياة العامة أن يسير، بشكل طبيعي وسلمي، دون توفر قدر مناسب من هذا الاستقرار. ويشعر المراقب المحب للمنطقة العربية بالحزن والأسى والإحباط، بسبب ما يجري فيها، وسوء وسلبية وخطورة الأحداث التي تشهدها معظم هذه المنطقة -بصفة عامة- على مدار الساعة... بسبب ضعف درجة الاستقرار السياسي في أغلب أرجائها. اذ تعتبر مريضة سياسيا، لكونها أكثر مناطق العالم اضطرابا وعدم استقرار. والنتيجة: فوضى ثلاثية الأبعاد والمراحل: تبدأ بالخلافات، والصراعات، وتتوج بالحروب. والمحصلة: قتل، تدمير، إرهاب، تفاقم حلقة «الفقر– الجهل– المرض»، تعثر التنمية....إلخ. إن معظم ما يجرى بمعظم المنطقة، في المجالين السياسي والأمني بخاصة، يدمى قلوب الأصدقاء، ويسعد الأعداء والكارهين. ولا يسر ويرضي أي إنسان ذي ضمير سوي، وعقل واعٍ رشيد، أينما كان.
المنطقة العربية (الشرق الأوسط) ذات الأهمية الاستراتيجية العظيمة، تذخر بالخلافات والصراعات، والحروب التي لا تكاد إحداها تضع أوزارها حتى تنشب حروب أخرى، كثيرا ما تكون أسوأ من سابقاتها. ولا جدال أن «أسباب» ما معظم هذه المنطقة فيه من قلاقل ومحن ومآسٍ، قد أشبعت ذكرا وبحثا ودراسة، حتى أصبحت معروفة ومحددة، علميا وعالميا. وقد خلصت عدة ندوات ومؤتمرات علمية سياسية، ناقشت وضع هذه المنطقة الحالي، إلى أنها مريضة بعدم الاستقرار السياسي. وأكدت أهم استنتاجاتها أن: ما يجرى بالمنطقة من تطورات سلبية في معظمها، يرد إلى مسببين عتيدين رئيسين... سبق أن تطرقنا إليهما في عدة مقالات سابقة. ولا بأس في إعادة ذكرهما:
- المسبب الذاتي (الداخلي): و يتجسد في أربعة أسباب رئيسة (الاستبداد السياسي، الطائفية، المذهبية، الإسلاموية) وعدة أسباب أخرى متفرعة.
- المسبب الخارجي (الأجنبي): ويتجلى أساساً في: حركة «الاستعمار الجديد»، وما يوضع وينفذ، تجاه المنطقة، من خطط التوجه الصهيوني- الاستعماري. إضافة إلى سياسات «مد ودعم النفوذ» التي تمارسها الدول الكبرى بالمنطقة.
****
ويميل المراقبون -كما سبق أن كررنا- لتحميل «المسبب الذاتي» النسبة الأوفر والمسؤولية الأكبر عن مرض المنطقة هذا. ومع ذلك، فإن «المسبب الخارجي» لا يجب التقليل من تأثيره السلبي، ودوره الهدام. والمسببان مترابطان، ومتداخلان، أشد التداخل. وهذه العلاقة الوثيقة تؤكدها حقيقة أنه: لولا «المسبب الذاتي» ما وجد واستشرى «المسبب الخارجي»... ولولا «المسبب الخارجي» ما كان «المسبب الذاتي» مستتباً ومتمكناً بالقوة التي هو عليها الآن. لذا، فإن تطبيع وضع المنطقة وإصلاحه، وانتشال المنطقة مما هي فيه من إضراب وعدم استقرار وتخلف (شفائها)، يتطلب التعامل مع هذين المسببين، وإلغاء تأثيرهما السلبي.
****
وهذا يعنى، بكل بساطة، أن معظم المنطقة لن تشهد أمنا واستقرارا حقيقيين ما لم يتم إلغاء المسببين، أو إلغاء الأثر السلبي لهما. أي أن مستقبل هذه المنطقة، بصفة عامة، سيظل على كف عفاريت، بسبب هذا المرض السياسي بأغلب أرجائها. والمريض سياسيا لا يشفيه إلا دواء سياسي. ومعرفة الأسباب الحقيقية تسهل طريق علاج وحل أي إشكالية، وفهم توجهاتها المستقبلية. فإذا شخصت الأعراض (تشخيصا سليما) عرف المرض، وإذا عرف المرض، عرف العلاج. وتناول العلاج يعتمد على مدى وطبيعة إرادة التداوي، ومدى جدية الرغبة فيه، من قبل المعنيين.
ولقد شخصت حالة المنطقة، وعرف داؤها، بل ودواؤها. ولكن الدواء ما زال عزيزا صعب المنال، وفى بعض الحالات ممنوعا ومرفوضا. لذلك، فإن المستقبل يظل قاتما، ومقلقا. ومن العبث التفاؤل القائم على أوهام. كأن يتوقع البعض أن من يتسبب في المرض سيوفر العلاج. فمن الحمق والغباء توقع أن يصبح أي «مسبب» عنصرا للاستقرار المأمول. هناك «مشاكل سياسية» (أمراض سياسية) خطيرة يجب أن تحل (تعالج) أولا، قبل الحديث عن ترتيبات معينة، أو غير معينة، تقود للاستقرار والازدهار المتخيل.
****
إن من غير المنطقي أن يسلط الضوء على أي جانب من جوانب الوضع العام لهذه المنطقة، أو غيرها، دون ملامسة «الأسباب» الحقيقية للتوتر والمعاناة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فعند محاولة تلمس طبيعة مستقبل المنطقة، ومسار الأحداث الراهنة فيها، فإن ذلك يدخل إلى ساحة «الأسباب»، ولو من الباب الخلفي. وإن تطرقنا إلى مسألة الخسائر البشرية والمادية اليومية والسنوية الناتجة عن اضطراب وعدم استقرار أغلب المنطقة، محاولين معرفة مسارها (زيادة أو نقصان) نجد أنفسنا وقد اقتحمنا أسوار «الأسباب».
وباختصار، فإن الحديث عن الوضع السياسي العام بالمنطقة، سواء في الماضي أو الحاضر، أو المستقبل، وسواء من زاوية «ما هو كائن»، أو زاوية «ما يجب أن يكون»، أو «سيكون»، يجر (تلقائيا) ومنطقيا للتطرق للأسباب. ولذا، لا يمكن كتابة أي شيء ذي معنى عن ما يجرى بهذه المنطقة الجريحة بعيدا عن «أسباب» ما هي فيه من مرض سياسي خطير.
لندعو، ونتمنى، أن لا يستمر مرض هذه المنطقة السياسي طويلا، وأن يكون الشفاء منه ممكنا وقريبا، بعد إزالة أسبابه. فبلادنا العزيزة، تقع في قلب هذه المنطقة. ولكنها، ولله الحمد، الأكثر أمنا واستقرارا، وازدهارا. ما يقلق هو احتمال امتداد وانتشار شظايا نيران هذا الاضطراب، لا سمح الله.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
المنطقة العربية (الشرق الأوسط) ذات الأهمية الاستراتيجية العظيمة، تذخر بالخلافات والصراعات، والحروب التي لا تكاد إحداها تضع أوزارها حتى تنشب حروب أخرى، كثيرا ما تكون أسوأ من سابقاتها. ولا جدال أن «أسباب» ما معظم هذه المنطقة فيه من قلاقل ومحن ومآسٍ، قد أشبعت ذكرا وبحثا ودراسة، حتى أصبحت معروفة ومحددة، علميا وعالميا. وقد خلصت عدة ندوات ومؤتمرات علمية سياسية، ناقشت وضع هذه المنطقة الحالي، إلى أنها مريضة بعدم الاستقرار السياسي. وأكدت أهم استنتاجاتها أن: ما يجرى بالمنطقة من تطورات سلبية في معظمها، يرد إلى مسببين عتيدين رئيسين... سبق أن تطرقنا إليهما في عدة مقالات سابقة. ولا بأس في إعادة ذكرهما:
- المسبب الذاتي (الداخلي): و يتجسد في أربعة أسباب رئيسة (الاستبداد السياسي، الطائفية، المذهبية، الإسلاموية) وعدة أسباب أخرى متفرعة.
- المسبب الخارجي (الأجنبي): ويتجلى أساساً في: حركة «الاستعمار الجديد»، وما يوضع وينفذ، تجاه المنطقة، من خطط التوجه الصهيوني- الاستعماري. إضافة إلى سياسات «مد ودعم النفوذ» التي تمارسها الدول الكبرى بالمنطقة.
****
ويميل المراقبون -كما سبق أن كررنا- لتحميل «المسبب الذاتي» النسبة الأوفر والمسؤولية الأكبر عن مرض المنطقة هذا. ومع ذلك، فإن «المسبب الخارجي» لا يجب التقليل من تأثيره السلبي، ودوره الهدام. والمسببان مترابطان، ومتداخلان، أشد التداخل. وهذه العلاقة الوثيقة تؤكدها حقيقة أنه: لولا «المسبب الذاتي» ما وجد واستشرى «المسبب الخارجي»... ولولا «المسبب الخارجي» ما كان «المسبب الذاتي» مستتباً ومتمكناً بالقوة التي هو عليها الآن. لذا، فإن تطبيع وضع المنطقة وإصلاحه، وانتشال المنطقة مما هي فيه من إضراب وعدم استقرار وتخلف (شفائها)، يتطلب التعامل مع هذين المسببين، وإلغاء تأثيرهما السلبي.
****
وهذا يعنى، بكل بساطة، أن معظم المنطقة لن تشهد أمنا واستقرارا حقيقيين ما لم يتم إلغاء المسببين، أو إلغاء الأثر السلبي لهما. أي أن مستقبل هذه المنطقة، بصفة عامة، سيظل على كف عفاريت، بسبب هذا المرض السياسي بأغلب أرجائها. والمريض سياسيا لا يشفيه إلا دواء سياسي. ومعرفة الأسباب الحقيقية تسهل طريق علاج وحل أي إشكالية، وفهم توجهاتها المستقبلية. فإذا شخصت الأعراض (تشخيصا سليما) عرف المرض، وإذا عرف المرض، عرف العلاج. وتناول العلاج يعتمد على مدى وطبيعة إرادة التداوي، ومدى جدية الرغبة فيه، من قبل المعنيين.
ولقد شخصت حالة المنطقة، وعرف داؤها، بل ودواؤها. ولكن الدواء ما زال عزيزا صعب المنال، وفى بعض الحالات ممنوعا ومرفوضا. لذلك، فإن المستقبل يظل قاتما، ومقلقا. ومن العبث التفاؤل القائم على أوهام. كأن يتوقع البعض أن من يتسبب في المرض سيوفر العلاج. فمن الحمق والغباء توقع أن يصبح أي «مسبب» عنصرا للاستقرار المأمول. هناك «مشاكل سياسية» (أمراض سياسية) خطيرة يجب أن تحل (تعالج) أولا، قبل الحديث عن ترتيبات معينة، أو غير معينة، تقود للاستقرار والازدهار المتخيل.
****
إن من غير المنطقي أن يسلط الضوء على أي جانب من جوانب الوضع العام لهذه المنطقة، أو غيرها، دون ملامسة «الأسباب» الحقيقية للتوتر والمعاناة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فعند محاولة تلمس طبيعة مستقبل المنطقة، ومسار الأحداث الراهنة فيها، فإن ذلك يدخل إلى ساحة «الأسباب»، ولو من الباب الخلفي. وإن تطرقنا إلى مسألة الخسائر البشرية والمادية اليومية والسنوية الناتجة عن اضطراب وعدم استقرار أغلب المنطقة، محاولين معرفة مسارها (زيادة أو نقصان) نجد أنفسنا وقد اقتحمنا أسوار «الأسباب».
وباختصار، فإن الحديث عن الوضع السياسي العام بالمنطقة، سواء في الماضي أو الحاضر، أو المستقبل، وسواء من زاوية «ما هو كائن»، أو زاوية «ما يجب أن يكون»، أو «سيكون»، يجر (تلقائيا) ومنطقيا للتطرق للأسباب. ولذا، لا يمكن كتابة أي شيء ذي معنى عن ما يجرى بهذه المنطقة الجريحة بعيدا عن «أسباب» ما هي فيه من مرض سياسي خطير.
لندعو، ونتمنى، أن لا يستمر مرض هذه المنطقة السياسي طويلا، وأن يكون الشفاء منه ممكنا وقريبا، بعد إزالة أسبابه. فبلادنا العزيزة، تقع في قلب هذه المنطقة. ولكنها، ولله الحمد، الأكثر أمنا واستقرارا، وازدهارا. ما يقلق هو احتمال امتداد وانتشار شظايا نيران هذا الاضطراب، لا سمح الله.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com