اجتمعت منذ أيام قليلة مضت بصديق يعمل في مجال المحاماة ولم أكن قد التقيته منذ زمن طويل، وذلك بسبب ظروف الجائحة وتوابعها المؤلمة. كان مهموماً وشاحبَ الوجه ويملأ عينيه قلق وخوف. بدأ حديثه معي بالإفصاح عما يدور في عقله من توتر من تبعيات الوضع المقلق الذي تسببت فيه الجائحة حول العالم، وأضاف وبلهجة ساخرة أصبحت استيقظ مذعوراً بسبب كوابيس تلاحقني بطلها متحدث وزارة الصحة الدكتور محمد العبد العالي، ومن قوة اشتياقي للسفر أصبحت أستمع لدعاء السفر بصوت الإعلامي الكبير محمد الصبيحي لأستعيد ذكرياتي مع رحلات الخطوط السعودية قبل الكورونا. وضعي صعب. قلت له يا رجل أنظر إلى نصف الكوب الممتلئ من فضلك. أجابني ماذا تقصد؟ قلت له إن التطورات الأخيرة التي تم الإعلان عنها في مجالات القضاء، والحقوق والقوانين يعد نقلة نوعية في هذه المجالات بكل ما تحمله الكلمة من معنى. نقلة كانت شبه مستحيلة وصعب تخيل إمكانية حصولها، بل إن مجرد الحلم بحصولها كانت مسألة مستعصية للغاية. نحن نتحدث عن مشروع نظام الأحوال الشخصية الذي يتناول الأحكام المتعلقة بالأسرة، ويضمن حقوق الزوجين والأطفال لينظم الأحكام المتعلقة بالوصية والتركة والإرث، ونتحدث أيضا عن مشروع نظام المعاملات المدنية الذي سيكون المرجع لتنظيم العلاقة بين الأفراد في تعاملاتهم وسيد من حالات المنازعات بين الأفراد، ويقلل من أمد الفصل بين الخصومات، وهناك أيضا مشروع نظام الإثبات الذي يعد تطورا كبيرا في إثبات الحقوق في المعاملات المدنية والتجارية ليقرر قواعد الإثبات في هذه المسائل كشهادة الشهود، الأدلة الكتابية، الدليل الرقمي، الإقرار بالحق، وغيرها من وسائل الإثبات. وهناك مشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية الذي سيسهم في تحقيق العدالة الجنائية وأعد المشروع وفق مبادئ عدلية مستقرة ووفق أفضل المبادئ والنظريات الجنائية الحديثة. وهذه المشاريع التي وصفت بأنها الحلم المنشود في مسيرة إصلاح القضاء تنظم العمل بشكل مؤسساتي واضح الملامح وبمنهجية دقيقة جدا تم مخاطبة فيها التجاوزات الظالمة التي كانت تحصل بحق المرأة والأطفال في ما يخص أحكام الأسرة أو سوء استخدام فكرة كفاءة النسب لتصبح سلاحا عنصريا تمييزيا طبقيا غير إسلامي، وأصبح مفهوم الكفاءة محصورا في الكفاءة الدينية فقط لا غير. هذه الأخبار يجب أن تكون مصدر سعادة وطمأنينة لك. وقدرة القادر التي جعلت هذه النقلة التي كنا نحلم بها ممكنة في مجالات القضاء والحقوق والقوانين هي ذات القدرة التي ستمكننا من التغلب على الجائحة واستعادة حياتنا الطبيعية يوما ما. ابتسم صديقي ورأيت في عينيه لمعة ونظرة مليئة بالأمل واستأذن للانصراف ولوح لي بيده وقال كلمة واحدة: شكرا.
كاتب سعودي
hashobokshi@gmail.com
كاتب سعودي
hashobokshi@gmail.com