تبدو العلاقة بين الأجناس الأدبية معقدة حيث تذوب الحدود الفاصلة وتظهر الشعرية بسحرها وجاذبيتها هي العامل العابر لتلك الحدود والجامع بينها أيضاً، فالعلاقات المتشابكة بين السينما والفنون الأخرى مثلا تمثل هذه الحالة الأصعب والأكثر تعقيدا، فالعلاقة بين السينما والرواية، وكذلك الدراما/ المسرح، علاقة تاريخية، حيث اعتمدت السينما على روايات ومسرحيات عالمية مشهورة، وحققت نجاحاً كبيراً حينها، ومن يطالع قائمة أفضل مئة عمل في تاريخ السينما المصرية يجد أن ثلثها مأخوذ عن أعمال أدبية لكُتّاب كبار، في مقدمتهم نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وطه حسين وعلي أحمد باكثير وغيرهم. لكن سرعان ما ارتبكت تلك العلاقة وتوترت.
بل إن الأمر تعدى ذلك إلى أن بعض الأدباء يرون أن أعمالهم الأدبية عندما تحولت إلى أفلام سينمائية لا تمثلهم! فعندما شاهد الكاتب الروائي الأمريكي «أرنست هيمنجواي» الحائز على جائزة نوبل سنة 1954 روايته الشهيرة «العجوز والبحر» على الشاشة خرج قبل أن ينتهي الفيلم، صارخاً «ليست هذه قصتي»!
إن السؤال الذي يطرح حول العلاقة القائمة بين نسقين تعبيريين تواصليين مختلفين؛ الأول يعتمد على لغة الكلمات في عملية تحققه، في حين أن الثاني يعتمد على لغة الصورة يطرح أكثر من إجابة، خصوصا في مجتمع عالمي جديد، يعرف نفسه بأنه يمثل حضارة جديدة هي «حضارة الصورة» على اعتبار أن المجتمعات السابقة عليه، كانت تمثل «حضارات الكلمة» في تنوعها واختلافها، نعلم جيداً أن هناك بعض التقنيات المتشابهة في كل من الرواية والسينما دون أن ننسى أبداً الاختلافات الحاصلة بينهما، إذ في غياب هذه الاختلافات لا يمكن الحديث عنهما معا، فهذه الاختلافات هي التي تشكل أصالتهما معا.
إن الفنين معاً استفادا من بعضهما البعض، فلقد التجأت السينما في بداية ظهورها وفي لحظاتها الأولى في مسارها التطوري إلى الرواية، وبعد تحقيق السينما لهويتها الفنية الخاصة بها، عادت الرواية إلى السينما واستقت منها بعض تقنياتها وحاولت توظيفها في بنائها الروائي. فالسينما قد استفادت من تقنية التبئير الروائي وحاولت تطبيقها في عملية الإخراج والرواية وقد رأت في المونتاج السينمائي تقنية جديدة من أجل حركية داخل مسارها السردي وتوظيف مميزات التعبير بالمقاطع انطلاقا منها، كذلك تقنية (الفلاش باك) وهو ما يدفع بنا إلى دعم عملية الالتقاء الحاصل بينهما والدعوة إلى المطالبة باستمراره، ذلك أن الفن الذي ينغلق على ذاته يموت.
هذه العلاقة لابد أن تعود وتنمو وتزدهر في بلادنا، لا سيما ونحن على أعتاب صناعة مهمة وهي صناعة السينما وتشجيع الأفلام، علينا تشجيع الروائيين والروائيات في ضخ أعمالهم لتلك الصناعة وعمل ورش عمل كثيفة لاختيار أفلام تعبر عن مجتمعنا لنقدمها، هذه من مصادر قوتنا الناعمة والتعريف بنا للعالم بل والحفاظ على إرثنا وتاريخنا، بل لا نبالغ إذا قلنا إن لتحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية هدفا تسويقيا جيد المردود للعمل الروائي، تذكر مارجريت فاراندا ثروب أن ما بيع من نسخ رواية (مرتفعات ويزرنج) لإيميلي جين برونتي التي نشرت لأول مرة سنة 1847، بعد عرض الفيلم الذي أخذ عنها، يفوق ما تم بيعه خلال الاثنتين وتسعين سنة السابقة منذ وجودها. أعلم أن الطريق طويل ولكن طموحنا أكبر إذا علمنا أن الأصعب دائما هي الخطوة الأولى وقد حدثت! فاليوم نحن الأجدر بتحقيق النجاح لثقافتنا السعودية.
كاتبة سعودية
monaalmaliki@
بل إن الأمر تعدى ذلك إلى أن بعض الأدباء يرون أن أعمالهم الأدبية عندما تحولت إلى أفلام سينمائية لا تمثلهم! فعندما شاهد الكاتب الروائي الأمريكي «أرنست هيمنجواي» الحائز على جائزة نوبل سنة 1954 روايته الشهيرة «العجوز والبحر» على الشاشة خرج قبل أن ينتهي الفيلم، صارخاً «ليست هذه قصتي»!
إن السؤال الذي يطرح حول العلاقة القائمة بين نسقين تعبيريين تواصليين مختلفين؛ الأول يعتمد على لغة الكلمات في عملية تحققه، في حين أن الثاني يعتمد على لغة الصورة يطرح أكثر من إجابة، خصوصا في مجتمع عالمي جديد، يعرف نفسه بأنه يمثل حضارة جديدة هي «حضارة الصورة» على اعتبار أن المجتمعات السابقة عليه، كانت تمثل «حضارات الكلمة» في تنوعها واختلافها، نعلم جيداً أن هناك بعض التقنيات المتشابهة في كل من الرواية والسينما دون أن ننسى أبداً الاختلافات الحاصلة بينهما، إذ في غياب هذه الاختلافات لا يمكن الحديث عنهما معا، فهذه الاختلافات هي التي تشكل أصالتهما معا.
إن الفنين معاً استفادا من بعضهما البعض، فلقد التجأت السينما في بداية ظهورها وفي لحظاتها الأولى في مسارها التطوري إلى الرواية، وبعد تحقيق السينما لهويتها الفنية الخاصة بها، عادت الرواية إلى السينما واستقت منها بعض تقنياتها وحاولت توظيفها في بنائها الروائي. فالسينما قد استفادت من تقنية التبئير الروائي وحاولت تطبيقها في عملية الإخراج والرواية وقد رأت في المونتاج السينمائي تقنية جديدة من أجل حركية داخل مسارها السردي وتوظيف مميزات التعبير بالمقاطع انطلاقا منها، كذلك تقنية (الفلاش باك) وهو ما يدفع بنا إلى دعم عملية الالتقاء الحاصل بينهما والدعوة إلى المطالبة باستمراره، ذلك أن الفن الذي ينغلق على ذاته يموت.
هذه العلاقة لابد أن تعود وتنمو وتزدهر في بلادنا، لا سيما ونحن على أعتاب صناعة مهمة وهي صناعة السينما وتشجيع الأفلام، علينا تشجيع الروائيين والروائيات في ضخ أعمالهم لتلك الصناعة وعمل ورش عمل كثيفة لاختيار أفلام تعبر عن مجتمعنا لنقدمها، هذه من مصادر قوتنا الناعمة والتعريف بنا للعالم بل والحفاظ على إرثنا وتاريخنا، بل لا نبالغ إذا قلنا إن لتحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية هدفا تسويقيا جيد المردود للعمل الروائي، تذكر مارجريت فاراندا ثروب أن ما بيع من نسخ رواية (مرتفعات ويزرنج) لإيميلي جين برونتي التي نشرت لأول مرة سنة 1847، بعد عرض الفيلم الذي أخذ عنها، يفوق ما تم بيعه خلال الاثنتين وتسعين سنة السابقة منذ وجودها. أعلم أن الطريق طويل ولكن طموحنا أكبر إذا علمنا أن الأصعب دائما هي الخطوة الأولى وقد حدثت! فاليوم نحن الأجدر بتحقيق النجاح لثقافتنا السعودية.
كاتبة سعودية
monaalmaliki@