-A +A
عبدالرحمن الجديع
ليس ثمة جدال بأنّ منطقة الخليج تشهد تحديات مهمة وخطيرة في سياقاتها الجيوسياسية وتحولات في مسارات الدبلوماسية الثنائية للدول الإقليمية والسياسات الدولية في المنطقة. وبلا ريب أنّ هذه التحديات وما تحمله من متغيرات قد ألقت، وما انفكّت، بظلالها على دول المنطقة، وهو ما دفع بدول مجلس التعاون الخليجي إلى دراسة المستجدات ومراجعة السياسات؛ بحيث لا يمكن فصل المواقف فرادى وجماعات عن إفرازات وانعكاسات ما يجري على ساحة المنطقة.

من هذا المنطلق، فإنّ المصالحة الخليجية، وعودة العلاقات مع قطر الشقيقة، وطي ملف الخلاف، تأتي في سياق التبصّر والتحسّب لكافة الأمور، وعدم السماح لأي متربص أن يدق إسفيناً في الصف الخليجي، أو أن ينال من وحدته. أضف إلى ذلك أنّ المصالحة، في قمة العُلا، برهنت على حكمة قادة هذا المجلس العتيد، وأثبتت مدى ترابط الجهود الخليجية، وتماسك البنية الخليجية-الخليجية، ومنع أية اختراقات إقليمية أو دولية للعمل الخليجي المشترك وبالتالي وضع حد لأية فرصة لزعزعة وحدة المجلس.


قمة العُلا، التي ترأسها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظهما الله، تعد إنجازاً بالغاً لحل الخلافات، وتجاوز الأزمات، والوقوف بصلابة أمام العابثين، وأصحاب الأجندة الإيرانية على وجه الخصوص، بصرف النظر عما يُثار هنا وهناك حول البواعث التي أدت إلى المصالحة، أو ما يقوم به البعض من تسخير التحليل في سبيل دعم وجهة نظر، أو تأييد أية قراءة تشير إلى فتور ما بين هذه الدولة وتلك، اعتماداً على شكليات بروتوكولية أثناء القمة التي حضرها الجميع. كل هذه التكهنات والمقاربات ما هي إلا ضرب من التحليل المفرط، أو الوهم المسرف والخيال الخصب؛ لأنّ مصالحة العُلا تؤذن بحقبة جديدة من العلاقات الأخوية، وبناء الثقة، والتئام الشمل؛ سعياً نحو مستقبل مشرق لمجلس التعاون.

لقد عكست قمة العلا تماسك الكتلة الخليجية، وقدرة دولها على تجاوز الصعوبات أياً كانت، ومهما كانت دوافعها. وتجلّى خلال القمة أنّ المملكة تقف برسوخ في سياستها الخارجية، التي اتسمت بالديناميكية والثبات والمرونة، والتحول النوعي عن النهج القديم وسياسة الاسترضاء والمهادنة، وهذا في مجمله يشكّل سداً منيعاً لكل محاولات الهيمنة الإقليمية التي تشكّل إيران عنوانها الأبرز.

إنّ أية جهود دبلوماسية في المنطقة لا بد أن تتأقلم مع التطورات والأوضاع الجديدة، ولا بد أن يتبلور جهد جماعي حازم لإيقاف الاعتداءات والممارسات العبثية التي يقوم بها ويغذيها النظام الإيراني عبر أذرعه ومليشياته الإرهابية التي تستهتر بالقانون الدولي، وتسهم في زعزعة أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، وتجعلها راقدة على فوهة بارود.

لقد آن الأوان لنظام الملالي أن يستوعب توجهات المجتمع الدولي وأنّ تدخلاته المكشوفة لن تسفر عن شيء، إلا تبديد الإمكانات والموارد الاقتصادية للشعب الإيراني الحزين، وزرع الخلافات العقائدية والسياسية العدمية بين شعوب المنطقة.

المملكة بقيادتها الحكيمة تتعامل مع هذه التحديات بثقة، انطلاقاً من ثقلها الإقليمي، والمركز المهم المؤثر الذي تتبوأه، والدور الكبير التي اضطلعت وتضطلع به؛ لأنّ هذه الدولة العظيمة تستمد حضورها من عظمة قيادتها وتمسكها بالشريعة الإسلامية الغراء التي تحثّ على السلم، وضمان حق شعوب المنطقة بالعيش بعيداً عن هدير الحروب ودخان الفتن والمؤامرات. كلنا ثقة وإيمان بصوابية رؤية القيادة، حفظها الله، فنحن حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، ونحن معهم، بلا تردد، وهم يعملون من أجل عزة التعاون الخليجي وتقدمه وازدهاره.

كاتب سعودي

AGdaia@