-A +A
حمود أبو طالب
مشكلة بعض العقليات السياسية التي تأتي إلى الإدارة الأمريكية أنها ما زالت تفكر بطريقة الكاوبوي وتتعامل مع العالم بدوله وشعوبه بذات الطريقة الاستعلائية الهمجية التي تعاملت بها في أزمنة ماضية، وكأننا ما زلنا في بداية نشأة العالم الحديث، وكأن مجتمعات العالم لم تتطور علماً وثقافةً ووعياً بألاعيب السياسة ومكرها وأحابيلها، أو كأن الدول لم تصبح مستقلة بسيادتها وقراراتها، بل وكأنها لا تعرف شيئاً عن الأمم المتحدة التي يمثل مبناها أحد معالم نيويورك، ولم يقرأ أحد من ساستها ميثاق الأمم المتحدة الذي تنص المادة الثانية من فصله الأول على «مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، وعدم المساس بالاستقلال السياسي لأي دولة، أو التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لأي دولة».

معيب جداً للمجتمع الأمريكي بنخبه الفكرية والعلمية والثقافية المستقلة أن يكون مثل هذا التفكير البدائي هو نهج بعض إدارات أمريكا السياسية في الألفية الثالثة، ومخجل أن تمارس الدولة التي تدرّس جامعاتها العريقة القانون الدولي أسوأ أشكال الانتهاكات لهذا القانون، بل ولكل قوانين ومواثيق ومعاهدات العلاقات الدولية، عندما يتحدث مسؤولوها عن نواياهم للتدخل في سيادة وقوانين وتشريعات بلدان أخرى، لخدمة أجندات سيئة ومكشوفة وكريهة، والغريب أنهم يصرحون بذلك وكأن تلك الدول المستهدفة مثل جمهوريات الموز التي كانت أمريكا تفرض عليها من يحكمها من الفسدة والمرتشين والعملاء قبل عقود ماضية.


إذا كانت أمريكا ما زالت تفكر بأن أي دولة في العالم تمثل إحدى ولاياتها أو مستعمراتها فهي تدفع بقوتها وعظمتها إلى مآزق مستعصية على المدى الطويل، ويجب عليها أن تراجع حساباتها وتعرف جيداً أن الدول تنضج وتكتسب مع الوقت أسباب القوة والمناعة وقدرة الحفاظ على بقائها واستقلالها وسيادتها مهما كلفها الأمر.

لم يعد العالم تلك السهول والجبال والبراري التي كان يتجول فيها الكاوبوي شاهراً مسدسه وداهساً بحصانه كل من يعترض طريقه أو يقاومه.

habutalib@hotmail.com