-A +A
صدقة يحيى فاضل
كُتب وقيل الكثير عن إمكانات إسرائيل النووية، وما يمتلكه الكيان الصهيوني من أسلحة الدمار الشامل... والتي يستهدف بها تهديد الأمة العربية، وإرهابها وابتزازها، وحملها على الخضوع لإرادته، وقبول سيطرته على المنطقة. ورغم ذلك، يوجد دافع قوي اليوم لمعاودة التطرق إلى هذه المسألة، في هذه الأيام، حيث أصدرت وكالة «أسوشيتدبرس» الاخبارية الأمريكية (AP) تقريراً مصوراً يوثق قيام إسرائيل بتطوير وتوسيع مفاعل ديمونا، أهم وأشهر المنشآت النووية العسكرية الإسرائيلية. فعندما يفتح الملف النووي بالمنطقة، لا بد من التطرق إلى كل الأطراف المعنية به. وعلى أي حال، فإن مجرد التأمل في هذا الأمر، يثير في النفس العربية مشاعر الغيظ والمرارة. ولكن، لابد من التعامل مع الحقائق، مهما كانت مرة.

من المؤكد أن قادة إسرائيل وأعوانها أعدوا كامل العدة، منذ قيام هذا الكيان، لتبني كل ما من شأنه إقامة ونمو وتوسع إسرائيل... وإنشاء «إسرائيل الكبرى»، في قلب المنطقة العربية، وعلى أشلائها. حيث لم يتركوا «وسيلة»، إلا وقد أخذوا بها في سبيل تحقيق هذا الحلم الصهيوني المسعور.


****

وتعتبر القوة العسكرية أبرز الوسائل التي يتبناها الصهاينة للوصول إلى أهدافهم، وتحقيق أغراض سياستهم «الخارجية». وقد ركزت إسرائيل على نوعي السلاح الرئيسيين: التقليدي والاستراتيجي. ففي مجال الأسلحة التقليدية، تعتبر إسرائيل مستودعاً ضخماً لشتى أنواع الأسلحة التقليدية (وفوق التقليدية)... كما أقامت إسرائيل صناعة عسكرية محلية متطورة، تمد الجيش الإسرائيلي بالكثير من الأسلحة والعتاد... وتصدر «الفائض» إلى بعض دول العالم. وتعتبر إسرائيل الآن أحد أكبر مصدري السلاح في العالم.

واهتمت إسرائيل منذ نشأتها، اهتماماً فائقاً بـ«الأسلحة الاستراتيجية» (أسلحة الدمار الشامل) بأنواعها الرئيسة الثلاثة: الكيميائية والبيولوجية والنووية. وعملت على امتلاك كم كبير من هذه الأسلحة، بشتى الطرق... وبخاصة عبر تصنيعها محلياً. وبالفعل، تمكنت إسرائيل من امتلاك هذه الأسلحة، منذ السبعينات... فأصبحت ترسانة إسرائيل العسكرية تضم قدراً هائلاً من هذه الأسلحة. ومؤخراً، قدر أحد الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين بأن إسرائيل تمتلك حوالى 90% من مجموع أسلحة الدمار الشامل، التي هي الآن بحوزة كل دول المنطقة؟!

ومعروف أن السلاح النووي (بأنواعه الذري والهيدروجيني والنيوتروني) هو أهم وأفتك أسلحة الدمار الشامل على الإطلاق.. إذ إن القدرة التدميرية لرأس نووي صغير تفوق (بمراحل) مثيلاتها حجماً من قنابل السلاح الكيميائي والبيولوجي. لذلك، سنوقف ما تبقى من هذا الحديث على سلاح إسرائيل النووي، عبر تسليط الضوء على بعض أهم تفاصيله ومصادره وتطوراته.

****

ولا شك في امتلاك إسرائيل لحوالى 200 رأس نووي... ولوسائل حمل وقذف هذه القنابل ضد أهداف... تمتد من تونس غرباً، حتى إيران شرقاً، ومن تركيا وحدود روسيا الجنوبية شمالاً، حتى البحر العربي جنوباً. ورسمياً، تنكر إسرائيل أنها تملك مقدرة نووية عسكرية... كي لا تثير الرأي العام العالمي ضدها، وتتضح نواياها التوسعية والعدوانية، وكي لا يندفع بعض العرب للاهتمام بامتلاك سلاح مماثل... مبررين هذا الاندفاع بامتلاك إسرائيل لسلاح نووي ضارب. وفي ذات الوقت، تسعى إسرائيل، عبر بعض وسائل الإعلام المختلفة، وعبر تسريبات عن برنامجها النووي، إلى التأكيد أنها دولة ذات مقدرة نووية عسكرية واضحة. كي تحقق ردع وإرهاب وابتزاز العرب، وكل معارضي توسعها، ومخططاتها.

إسرائيل تتعمد، إذاً، إضفاء «الغموض» على حقيقة وضعها النووي العسكري كتكتيك مرحلي. وحتى الآن، لم يتحدث سوى عدد محدود من كبار قادتها فقط عن الوضع النووي الإسرائيلي. وكل ما جاء على لسان هؤلاء القادة يتميز بغموض مقصود وواضح. فهم يزعمون أن اهتمام إسرائيل بالقوة النووية إنما هو فقط بهدف الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وأن إسرائيل لم تقم حتى الآن بأي استخدام عسكري لهذه القوة...؟! ولكن أحد هؤلاء القادة كشف المستور، كما سوف نرى لاحقاً.

ومعظم هؤلاء الزعماء يرددون عبارة شهيرة... سبق أن قالها «ليفي أشكول»، ثالث رئيس للوزارة في إسرائيل، سنة 1964م، وهي: «إن إسرائيل سوف لن تكون أول بلد يدخل أسلحة نووية إلى منطقة الشرق الأوسط»...؟!! وسنرى أن هذه السياسة (التي تتجسد معظم أبعادها في هذه العبارة الخبيثة) لا تعني سوى ذر الرماد في العيون... وسنتحدث عن تقرير الأسوشيتدبرس في مقالنا القادم.

كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com