تاريخ العسكر في السياسة، قديم قدم التاريخ. من يمتلك القوة المادية والإرادة لفرضها يستأثر بالحكم. العسكر، تاريخياً، يحتكرون القوة الصلبة الضاربة في المجتمعات الإنسانية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة توفر الإرادة والاستطاعة اللازمتين لتقلد السلطة.
العسكر، قد يكونون، عنصراً فعالاً في نشأة الدول وتوسع الإمبراطوريات، إلا أن «صناعة» الحكم، معادلة مختلفة، تماماً. شرعية الحكم، تاريخياً، تستند إلى معايير اعتبارية وقِيَمِيّة وقانونية، وأحياناً قد تكون «ميتافيزيقية»، غيبية، إلا أنها نادراً ما تستند إلى امتلاك القوة المادية، وحدها.
كان انهيار النازية والفاشية، من أهم مراحل التاريخ، التي شهدت بداية النهاية لحكم العسكر.. أو استخدام العسكريتارية، كسند رئيس لأنظمة الحكم الشمولية. فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية، شهدت كثيرٌ من دول العالم الثالث، حديثة الاستقلال في آسيا وأفريقيا، وحتى الدول المستقلة مبكراً في أمريكا الوسطى والجنوبية، موجة من حكم العسكر المباشر.
في الخمسينات والستينات، كانت أخبار الانقلابات العسكرية، تسيطر على أخبار المنطقة.. بل وكان العسكر هم الأداة الأكثر فاعلية وكفاءة في التحول من نظام سياسي لآخر، بل حتى الاستيلاءعلى السلطة، نفسها. في فترة من الفترات، كانت الانقلابات العسكرية، تحدث بشكل يومي، مع ما في ذلك من مبالغة، في كلٍ من سوريا والعراق.
لكن، مع الوقت، أصبحت الأنظمة السياسية، التي اعتمدت على النخبة العسكرية، في صناعة السلطة والبقاء فيها، أكثر كفاءة وفاعلية في الاستمرار في الحكم. كان الأمرُ أحياناً يتطلبُ تدخلاً عالمياً لازاحة العسكر من السلطة (العراق، ليبيا).. بل وحتى المجازفة بدخولِ حربٍ أهلية، بمساعدة قوىًّ دولية، للبقاء في الحكم (سوريا).
اليوم: أصبح احتمال استيلاء العسكر على السلطة، في أي دولة، هاجساً أممياً، وليس فقط شأناً محلياً، خاصةً عندما ينقلب العسكر على حكم مدني منتخب. كان آخر مغامرات العسكر، في هذا المجال، ما حدث مؤخراً في ميانمار. على المستوى الإقليمي، يتمتع الاتحاد الأفريقي بقوةٍ ونفوذ إقليمي كبيرين، لعدم الاعتراف والتعاون مع أي حكومة عسكرية، تأتي عن طريق الانقلاب أو حتى على أكتاف انتفاضة شعبية، كما حدث في السودان.
بشكل عام: أصبح العسكر، دولياً، أقل ترحيباً بمجيئهم عنوةً لسدةِ الحكم. في الولايات المتحدة: هناك قانون يمنع الحكومة الأمريكية الاعتراف بالانقلابات العسكرية ويحظر التعاون معها، خاصةً لو جاءت على أنقاض حكوماتٍ مدنيةٍ منتخبة.
حكم العسكر، في كثيرٍ من المجتمعات، أصبح اليوم تاريخاً. ربما كان في وقت من الأوقات أداة من أدوات مسيرة التاريخ، للدفع تجاه الديمقراطية. حكم العسكر زال من كثير من الدول التي حكمها العسكر، لفترة طويلة، مثل: باكستان وإندونيسيا والبرازيل والأرجنتين، وكثير من دول العالم الثالث الأخرى.
للعسكرِ وظيفةٌ مهنيةٌ وطنيةٌ نبيلة، وهي: حماية الوطنِ وكيانِ الدولةِ، من أيِ خطرٍ خارجيٍ حقيقيٍ كان أم محتملاً، لا أن يتدخلوا في السياسة.. أو يسعوا إلى السلطة... دعك من تقلد الحكم.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
العسكر، قد يكونون، عنصراً فعالاً في نشأة الدول وتوسع الإمبراطوريات، إلا أن «صناعة» الحكم، معادلة مختلفة، تماماً. شرعية الحكم، تاريخياً، تستند إلى معايير اعتبارية وقِيَمِيّة وقانونية، وأحياناً قد تكون «ميتافيزيقية»، غيبية، إلا أنها نادراً ما تستند إلى امتلاك القوة المادية، وحدها.
كان انهيار النازية والفاشية، من أهم مراحل التاريخ، التي شهدت بداية النهاية لحكم العسكر.. أو استخدام العسكريتارية، كسند رئيس لأنظمة الحكم الشمولية. فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية، شهدت كثيرٌ من دول العالم الثالث، حديثة الاستقلال في آسيا وأفريقيا، وحتى الدول المستقلة مبكراً في أمريكا الوسطى والجنوبية، موجة من حكم العسكر المباشر.
في الخمسينات والستينات، كانت أخبار الانقلابات العسكرية، تسيطر على أخبار المنطقة.. بل وكان العسكر هم الأداة الأكثر فاعلية وكفاءة في التحول من نظام سياسي لآخر، بل حتى الاستيلاءعلى السلطة، نفسها. في فترة من الفترات، كانت الانقلابات العسكرية، تحدث بشكل يومي، مع ما في ذلك من مبالغة، في كلٍ من سوريا والعراق.
لكن، مع الوقت، أصبحت الأنظمة السياسية، التي اعتمدت على النخبة العسكرية، في صناعة السلطة والبقاء فيها، أكثر كفاءة وفاعلية في الاستمرار في الحكم. كان الأمرُ أحياناً يتطلبُ تدخلاً عالمياً لازاحة العسكر من السلطة (العراق، ليبيا).. بل وحتى المجازفة بدخولِ حربٍ أهلية، بمساعدة قوىًّ دولية، للبقاء في الحكم (سوريا).
اليوم: أصبح احتمال استيلاء العسكر على السلطة، في أي دولة، هاجساً أممياً، وليس فقط شأناً محلياً، خاصةً عندما ينقلب العسكر على حكم مدني منتخب. كان آخر مغامرات العسكر، في هذا المجال، ما حدث مؤخراً في ميانمار. على المستوى الإقليمي، يتمتع الاتحاد الأفريقي بقوةٍ ونفوذ إقليمي كبيرين، لعدم الاعتراف والتعاون مع أي حكومة عسكرية، تأتي عن طريق الانقلاب أو حتى على أكتاف انتفاضة شعبية، كما حدث في السودان.
بشكل عام: أصبح العسكر، دولياً، أقل ترحيباً بمجيئهم عنوةً لسدةِ الحكم. في الولايات المتحدة: هناك قانون يمنع الحكومة الأمريكية الاعتراف بالانقلابات العسكرية ويحظر التعاون معها، خاصةً لو جاءت على أنقاض حكوماتٍ مدنيةٍ منتخبة.
حكم العسكر، في كثيرٍ من المجتمعات، أصبح اليوم تاريخاً. ربما كان في وقت من الأوقات أداة من أدوات مسيرة التاريخ، للدفع تجاه الديمقراطية. حكم العسكر زال من كثير من الدول التي حكمها العسكر، لفترة طويلة، مثل: باكستان وإندونيسيا والبرازيل والأرجنتين، وكثير من دول العالم الثالث الأخرى.
للعسكرِ وظيفةٌ مهنيةٌ وطنيةٌ نبيلة، وهي: حماية الوطنِ وكيانِ الدولةِ، من أيِ خطرٍ خارجيٍ حقيقيٍ كان أم محتملاً، لا أن يتدخلوا في السياسة.. أو يسعوا إلى السلطة... دعك من تقلد الحكم.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com