-A +A
مي خالد
لعل أكبر مآزقنا الوجودية أن تصور الآخرين عنا ليس مطابقا لتصورنا عن ذواتنا. لذا يعيش الكثير من البشر ويموتون وهم يبحثون عن حقيقة شخصياتهم ومن هم حقاً دون أن يتوصلوا لجواب!

يبحثون في العلوم الحقيقية مثل علم النفس وعلم الاجتماع وفي العلوم الزائفة مثل علوم التنمية البشرية والطاقة، بل وفي الشعوذة مثل الأبراج وخرائط الفلك.


هذه المقالة لن تجيب على السؤال الوجودي الكبير: (من أنا). بل ستحاول تفسير سبب عدم تطابق تصوراتنا عن ذواتنا مع تصورات الآخرين عنا؛ حسب وجهة نظر علم الاجتماع وعبر ما يسمى بنظرية التفاعل الرمزي.

تعبر بنا يوميا آلاف الصور لأشخاص يصنعون تفاعلا رمزيا بما حولهم يجعلنا نظن أنهم هم الذين داخل هذه الصور، مثل صورة فتاة تحمل حقيبة محدودة الإصدار لماركة عالمية وترتدي ثيابا هي الأحدث والأغلى في بيوت الأزياء وتركب سيارة فارهة متوجهة لطائرة خاصة، هي تقول عبر كل هذه الرموز أنها تنتمي لطبقة صغيرة في المجتمع هي طبقة الأثرياء. دون أن تخبرنا بذلك مباشرة.

لذا ستجد متسولي الإنترنت تحت هذه الصورة لتلك الفتاة يطلبون منها الهبات والصدقات. لقد حللوا الرموز المتفاعلة وفهموا منها من تكون صاحبة الصورة.

هذه المعاني هي نتاج التفاعل الاجتماعي بين الناس، إنها بنية اجتماعية وثقافية. صنع المعنى هو عملية تفسيرية مستمرة، حيث قد يظل المعنى الأولي كما هو، أو يتطور قليلاً، أو يتغير جذرياً. كأن نكتشف بعد متابعة هذه الفتاة أن الطائرة مستأجرة بهدف تصوير إعلان وأن السيارة سيارة الشركة وليست سيارتها.. وهكذا..

وهناك مثال آخر شهير يشرح التفاعل الرمزي وهو جواب على سؤال: لماذا قد يدخن الشباب السجائر حتى عندما تشير جميع الأدلة الطبية الموضوعية إلى مخاطر القيام بذلك؟

وجدت الدراسات أن المراهقين على دراية جيدة بمخاطر التبغ، لكنهم يعتقدون أيضاً أن التدخين رائع، وأنهم سيكونون في مأمن من الأذى، وأن التدخين يعطي صورة إيجابية لأقرانهم. لذا، فإن المعنى الرمزي للتدخين يتجاوز الحقائق المتعلقة بالتدخين والمخاطر.

لذا علينا أن نكون واعين لتفاعلنا الرمزي مع العالم من حولنا لكي نعبر عن ذواتنا تعبيرا صحيحا ما أمكن ولكي نفهم التفاعل الرمزي ونفسر المعنى.

كاتبة سعودية

may_khaled@hotmail.com

mayk_0_0@