عادة ما يتسم نمط إيران بالعمل المتأني الإستراتيجي، كما هي حبكة صانع السجاد، الذي قد يتضور جوعاً مع أبنائه لعشر سنوات، من أجل أن يجني ثروة من بيع السجادة الفاخرة.
كانت الأجواء تسمح بذلك مع غياب استراتيجية أمريكية واضحة تجاه إيران، بالإضافة وهذا أخطر غياب استراتيجية إقليمية وتحديداً عربية، تؤطر الخطر الإيراني كعدو أول بدون منازع، ينسج من أحلام الإمبراطورية الغابرة على دماء العرب، تحت شعار حماية الأقليات ومقاومة إسرائيل.
ولعل المثال الساطع لنجاح هذه الاستراتيجية هو خطة العمل الشاملة المشتركة، التي أبرمتها إدارة الرئيس روحاني مع دول (5 + ألمانيا) في 2015، وحققت من خلالها أفضل المكاسب، عبر حصر تطوير سلاح نووي بإطار زمني، بالإضافة إلى غياب التدخلات في الدول الإقليمية من بنود ذلك الاتفاق، وصولاً إلى إزالة القيود عن مليارات الدولارات.
في ذلك العام أيضاً كانت مفاجأة كبيرة لصانع القرار الإيراني وقيادات الحرس الثوري، الذين لم يتوقعوا أبداً تشكيل المملكة للتحالف العربي، بعد تلقي دعوة من الرئيس عبدربه منصور هادي، وانطلاق عاصفة الحزم، بعد ستة أشهر من الانقلاب الحوثي واحتلال العاصمة صنعاء.
مرة أخرى جربت إيران الصبر وكان ذلك في تجنب الرضوخ لطلبات الرئيس ترمب للحوار، لكنها من جهة أخرى لا تملك ترف الوقت لممارسة صبر إستراتيجي آخر مع إدارة بايدن، مما جعلها تعمل منذ منتصف العام الماضي على استراتيجية تصعيد، بشكل يستهدف حلحلة العقوبات قبل انتهاء الفترة الثانية والأخيرة للرئيس روحاني.
وبالتالي قررت إيران التصعيد عسكرياً ونووياً على حد سواء، وذلك باستهداف المملكة ومصالح أمريكية بالعراق، وتأجيج المشهد اليمني، عزمها على التراجع عن البروتوكول الإضافي إذا لم تلتزم الأطراف المعنية بالاتفاق النووي، وهو البروتوكول الذي يسمح بتفتيش مفاجئ لمواقع إيران النووية، والالتزام بالاتفاق هنا يعني رفع العقوبات، ومنح بعض الأكسجين لرئة طهران المخنوقة اقتصادياً.
وجلي اليوم وقبل حتى أن يكمل الرئيس بايدن أول مئة يوم في المكتب البيضاوي، أن التصعيد ووضع كل أوراقها على الطاولة كان من المتوقع أن يدفع واشنطن للتراجع، لكنه لم يفعل وبالتالي أصبحت إيران بلا أوراق إضافية للتفاوض.
المشكلة الأخرى للتصعيد أنه طريق لا رجعة فيه، فإن تراجعت عن تصعيدك، فقد تصعيدك قدراته التهديدية، وإن استمررت فيه فغالباً ما يفقدك ذلك فرص التأييد لموقفك حتى من حلفاء كروسيا، والأسوأ أنه يجبرك على فتح ملاعب جديدة للتصعيد، ولعل حديث نصر الله الأخير مؤشر على ذلك، ولكن هل سيكون ذلك بتصعيد داخلي عبر توجيه سلاح المقاومة نحو مقاومة الشعب اللبناني كما اعتاد، أم أي عملية انتحارية خلف الخط الأزرق.
نصر الله هدد من سيناريوهات الحرب الأهلية، ومن سخرية القدر أن يحذر من الحرب الطرف الوحيد الذي يحتكر السلاح خارج إطار الدولة، وربما أصبح الشارع في العراق ولبنان مؤشراً على أن البوصلة بين الشباب العربي أصبحت واضحة نحو صلب المشكلة، أياً كانت تسمية الوكلاء.
هذا ما خرجت به شوارع البصرة منذ ست سنوات وأعادته طرقات بيروت يوم الجمعة الماضي، بترديد المتظاهرين، «إيران برا برا.. بيروت حرة حرة»، وهؤلاء هم من يخيف إيران على مشروعها حقاً، من يخرجون بصدور عارية دون خوف من السلاح.
كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
كانت الأجواء تسمح بذلك مع غياب استراتيجية أمريكية واضحة تجاه إيران، بالإضافة وهذا أخطر غياب استراتيجية إقليمية وتحديداً عربية، تؤطر الخطر الإيراني كعدو أول بدون منازع، ينسج من أحلام الإمبراطورية الغابرة على دماء العرب، تحت شعار حماية الأقليات ومقاومة إسرائيل.
ولعل المثال الساطع لنجاح هذه الاستراتيجية هو خطة العمل الشاملة المشتركة، التي أبرمتها إدارة الرئيس روحاني مع دول (5 + ألمانيا) في 2015، وحققت من خلالها أفضل المكاسب، عبر حصر تطوير سلاح نووي بإطار زمني، بالإضافة إلى غياب التدخلات في الدول الإقليمية من بنود ذلك الاتفاق، وصولاً إلى إزالة القيود عن مليارات الدولارات.
في ذلك العام أيضاً كانت مفاجأة كبيرة لصانع القرار الإيراني وقيادات الحرس الثوري، الذين لم يتوقعوا أبداً تشكيل المملكة للتحالف العربي، بعد تلقي دعوة من الرئيس عبدربه منصور هادي، وانطلاق عاصفة الحزم، بعد ستة أشهر من الانقلاب الحوثي واحتلال العاصمة صنعاء.
مرة أخرى جربت إيران الصبر وكان ذلك في تجنب الرضوخ لطلبات الرئيس ترمب للحوار، لكنها من جهة أخرى لا تملك ترف الوقت لممارسة صبر إستراتيجي آخر مع إدارة بايدن، مما جعلها تعمل منذ منتصف العام الماضي على استراتيجية تصعيد، بشكل يستهدف حلحلة العقوبات قبل انتهاء الفترة الثانية والأخيرة للرئيس روحاني.
وبالتالي قررت إيران التصعيد عسكرياً ونووياً على حد سواء، وذلك باستهداف المملكة ومصالح أمريكية بالعراق، وتأجيج المشهد اليمني، عزمها على التراجع عن البروتوكول الإضافي إذا لم تلتزم الأطراف المعنية بالاتفاق النووي، وهو البروتوكول الذي يسمح بتفتيش مفاجئ لمواقع إيران النووية، والالتزام بالاتفاق هنا يعني رفع العقوبات، ومنح بعض الأكسجين لرئة طهران المخنوقة اقتصادياً.
وجلي اليوم وقبل حتى أن يكمل الرئيس بايدن أول مئة يوم في المكتب البيضاوي، أن التصعيد ووضع كل أوراقها على الطاولة كان من المتوقع أن يدفع واشنطن للتراجع، لكنه لم يفعل وبالتالي أصبحت إيران بلا أوراق إضافية للتفاوض.
المشكلة الأخرى للتصعيد أنه طريق لا رجعة فيه، فإن تراجعت عن تصعيدك، فقد تصعيدك قدراته التهديدية، وإن استمررت فيه فغالباً ما يفقدك ذلك فرص التأييد لموقفك حتى من حلفاء كروسيا، والأسوأ أنه يجبرك على فتح ملاعب جديدة للتصعيد، ولعل حديث نصر الله الأخير مؤشر على ذلك، ولكن هل سيكون ذلك بتصعيد داخلي عبر توجيه سلاح المقاومة نحو مقاومة الشعب اللبناني كما اعتاد، أم أي عملية انتحارية خلف الخط الأزرق.
نصر الله هدد من سيناريوهات الحرب الأهلية، ومن سخرية القدر أن يحذر من الحرب الطرف الوحيد الذي يحتكر السلاح خارج إطار الدولة، وربما أصبح الشارع في العراق ولبنان مؤشراً على أن البوصلة بين الشباب العربي أصبحت واضحة نحو صلب المشكلة، أياً كانت تسمية الوكلاء.
هذا ما خرجت به شوارع البصرة منذ ست سنوات وأعادته طرقات بيروت يوم الجمعة الماضي، بترديد المتظاهرين، «إيران برا برا.. بيروت حرة حرة»، وهؤلاء هم من يخيف إيران على مشروعها حقاً، من يخرجون بصدور عارية دون خوف من السلاح.
كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com