بمناسبة إعلان السعودية مبادرة لوقف إطلاق النار في اليمن، يجدر الخروج من قالب لغة السياسة إلى حقيقة الأمور على أرض الواقع المجرد، فماذا يعني رفض أي طرف لمبادرة السلام ووقف العمليات الحربية ليس فقط في اليمن إنما في جميع الدول العربية؟ تقول الرواية أن امرأتين احتكمتا للنبي سليمان في ولد وكل منهما ادعت أنها أمه، فأمر سليمان بشطر الولد إلى نصفين وإعطاء نصف لكل منهما، فما إن نطق بهذا الحكم حتى صرخت إحداهما راجية إياه أن يعطي الولد للأخرى ومعلنة تنازلها عنه، فعرف سليمان أنها هي الأم الحقيقية وحكم لها بالولد، لأن حرص الأم الحقيقية على حياة الولد هو الذي جعلها تضحي بنسبته إليها، بينما الأخرى الدعية التي كان اغترار غريزة التملك والسطوة لديها هو وراء إرادتها أن تستحوذ على الولد لم تبالِ بقتله وتمزيقه في سبيل إرضاء غرورها. وبالمثل فلو أن الأطراف التي ترفض مبادرات السلام كانوا بحق حريصين على شعوبهم وبلدانهم لكانوا ضحوا تضحية الأم الحقيقية في قصة سليمان؛ حرصاً على دماء ومصلحة وكرامة شعوبهم وبلدانهم، لكن المعضلة هي أن سكرة السلطة ومكاسبها الأنانية تجعلهم لا يبالون بالجحيم الذي تعيشه شعوبهم، فكل ما يهمهم هو أن يبقوا في السلطة ولو كانت سلطة على شق جسد ممزق ومدمر، ولا توجد طريقة لإيقاف هذه الحروب العدمية العبثية إلا بتشجيع شعوب تلك البلدان المدمرة بالحروب على القيام بحراك عام يضغط على القوى والجماعات التي بيدها سلطة ولو جزئية لإجبارها على القبول بمبادرات السلام، فمهما كان تعداد اتباعهم وأنصارهم فعموم الشعب يبقى أكبر تعداداً وليس حتى من الضروري أن يتضمن مظاهرات وتجمعات من أي نوع حرصاً على تطبيق إجراءات الوقاية من عدوى كورونا إنما يشمل العصيان المدني ومقاطعة كل ما يمت لجماعات الحرب بصلة بما فيها المؤسسات العامة للدولة التي تديرها مع حملات إلكترونية شعبية واسعة عبر مواقع التواصل، وتقديم الدعم والتمويل لمؤسسات المجتمع المدني فيها ليكون لها صوت مؤثر لحشد الحراك الشعبي وتوجيهه وترشيده للضغط باتجاه إيقاف الحروب مع الوعد بحزمة من المساعدات لإعادة الإعمار بعد الموافقة على مبادرة السلام وإلا ستستمر هذه الحروب العدمية العبثية لعقود، والجماعات لن تتجاوب مع مبادرات السلام إلا بضغط الحاضنة الشعبية عليها لأن الجماعات أداة بيد غيرها؛ ولذا يجب التركيز على استمالة الحاضنة الشعبية لإنجاح أي مبادرة سلام، بالإضافة للحاجة لجهات وساطة أكثر فاعلية.