نشأت الدولة السعودية الأولى في عام ١١٥٧هـ/ ١٧٤٤م بإبرام ميثاق الدرعية بين أمير الدرعية الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب واتفاقهما بالدعوة إلى تصحيح ما علق في عقيدة الناس من الشرك والخرافات وبالعودة إلى ما كان عليه النبي والسلف الصالح، فكان الميثاق الأساس الذي نشأت عليه الدولة الأولى وانتشار دعوتها ورواجها بين الناس، مما مهد إلى توحيد المجتمع على أسس من العقيدة السلفية الإسلامية وبناء كيان سياسي واجتماعي بقيادة سعودية سياسية مستقلة في قراراتها ومعبرة عن ميثاق الدرعية. وقد استمر نهوض الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة في مواجهة خصومها بسبب رواج دعوتها وتنامي قواها فتوسعت أركان الدولة في حدود مختلفة حسب الأوضاع السياسية التاريخية وسيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي؛ لما تمثله الدعوة من إقبال الناس عليها وعزيمة الحكام السعوديين باستقلاليتهم في اتخاذ القرارات وقوة شكيمتهم وانصهارهم في تطلعات مواطنيهم من الذود عن العقيدة الإسلامية السمحة وشدة بأسهم في مواجهة أعدائهم.
وهكذا يعود العداء التاريخي للدولة السعودية الإقليمي والدولي منذ نحو ثلاثة قرون والمستمر إلى يومنا هذا إلى سياسة استقلالية القرار السعودي والتفاف المواطنين سياجا في حماية راية التوحيد وحياض بلادهم والعمل على نمائها، وكسب الدولة ثقة ومصداقية شريحة كبيرة من العرب والمسلمين.
وما علينا سوى استعراض بعض من المواقف السياسية المستقلة والريادية في العصر الحديث منذ قيام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في تأسيس الدولة السعودية الثالثة في (٥ شوال ١٣١٩هـ - ١٥يناير ١٩٠٢م) من تغيير في موازين القوى العالمية القائمة -آنذاك- بإخراج القوات التركية المحتلة من منطقة الأحساء عام ١٩١٣م، ومنح الشركات الأمريكية البترولية حق التنقيب والاستخراج في مناطق امتياز بالمنطقة الشرقية في ٢٩مايو ١٩٣٣م، فكان قرار تاريخيا اقتصاديا أخرج البلاد من دائرة الفقر، وسياسيا حاسما في تقليص دور وهيمنة الإمبراطورية البريطانية شبه المطلقة على منطقة الشرق الأوسط والمساهمة في تغيير موازين القوى العالمية، تبعها قيام المملكة العربية السعودية بالمشاركة في تأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك) عام ١٩٦٠م، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة (الأوابك) عام ١٩٦٨م، وإنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي بالرياض عام ٢٠٠٥م، وعبرت المملكة من خلال هذه المنظمات الثلاث عن دورها الريادي الاقتصادي والسياسي على الساحتين الإقليمية والدولية، فالأوبك كانت الآلية المحورية في توازن أسعار وإنتاج البترول على نطاق عالمي وعامل إيجابي في استقرار الاقتصاد الدولي، أما الأوابك رغم أن دورها كان محدودا للغاية ومحصورا تقريبا في حوارات الطاقة والبيئة الدولية ونشاط الشركات العربية البترولية المشتركة، إلا أنه من خلال أحد اجتماعاتها الوزارية صدر عنها قرار تاريخي سياسي عربي معني بمنهجية المقاطعة العربية البترولية إبان حرب ١٩٧٣م، بينما حققت أمانة منتدى الطاقة الدولي إقبالا في عضويتها حتى بلغ عدد دولها الأعضاء الحالي سبعين دولة من كبار المنتجين والمستهلكين للطاقة في العالم؛ بهدف العمل على تنسيق سياسات الطاقة الدولية ودعم نماء الاقتصاد العالمي.
هذا الدور الريادي السعودي في تشكيل العديد من المنظمات الإقليمية والدولية هو أحد المؤشرات الرئيسية في مبادرات واستقلالية القرار السعودي البناءة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وقد واكب استقلالية القرار الوطني تنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية محلية متدرجة من توحيد المملكة العربية السعودية عام ١٩٣٢م، بداية من مرحلة معاناتها -آنذاك- من شُح مواردها المالية إلى كيان دولة قوية البنيان الاقتصادي مع حلول بداية القرن الحادي والعشرين حتى أصبحت عضوا بارزا في نادي دول الاقتصادات الكبرى من مجموعة العشرين. وقد واجهت المملكة طوال هذه الحقبة التاريخية صراعات وتحديات سياسية إقليمية ودولية جسيمة وتكاليف أعباء مالية باهظة وبشرية من مشاركتها في حرب فلسطين عام ١٩٤٨م وحرب رمضان ١٩٧٣م، بينما شكلت حرب تحرير الكويت عام ١٩٩٠م منعطفا استراتيجيا فكريا في تعديل أولويات أهداف الدولة بإتباع نهج سياسي جديد لحماية المكتسبات وصيانة الأمن الوطني السعودي، وذلك بالاعتماد شبه الكلي على القوى العسكرية السعودية بسبب تفاقم الاضطرابات الإقليمية من مصادر عربية وإيرانية وتركية تؤازرها أطماع دولية في المنطقة للسيطرة التامة على خيرات المنطقة العربية عبر وكلاء طائفيين جدد، واتضحت معالم تلك المخططات من تبني الحكومة الأمريكية الديموقراطية ما أسمته بالربيع العربي وتخادم المصالح الأمريكية والإيرانية والتركية لزلزلة الكيانات العربية والهيمنة عليها، مما أوجب على المملكة إسراع الخطى في بناء قوات سعودية متطورة رادعة عددا وعدة حتى تبوأت السعودية المرتبة العاشرة عالميا والأولى عربيا في عدد القوات العاملة التي بلغ تعدادها ٤٨٠ ألف فرد حسب إحصاءات عام ٢٠٢١م. وقد تنامت قدرات القوات السعودية خلال العشرين عاما المنصرمة، ما مكن المملكة من الذود عن حياض الوطن ومؤازرة جيرانها من الدول العربية، فتحركت قوات الواجب السعودية عام ٢٠١١م في حماية استقلال مملكة البحرين ودعم الثورة المصرية عام ٢٠١٣م ضد تخادم الإخوان المسلمين والقوى الخارجية. وفي عام ٢٠١٥م جاءت عاصفة الحزم السعودية لدعم الشرعية في اليمن لكف سطوة التمدد الإيراني على مقادير اليمن كما حصل في العراق وسورية ولبنان. ولم يكن هذا دورا ممكنا للمملكة العربية السعودية من مواجهته بكف مخاطر مخططات الربيع العربي وتخادم السياسات الأمريكية الإيرانية لولا توفر اقتصاد سعودي متين ومدعوم بقوى عسكرية رادعة تحت قيادة حكام أشاوس أصحاب حكمة وقوة وشكيمة.
وفي عام ٢٠١٦م برزت رؤية ٢٠٣٠م من قبل مهندسها سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وهي رؤية شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتطوير المجتمع عبر العديد من الأهداف والاستراتيجيات والخطط حددت فيها آليات تنفيذها وطرق متابعة تطبيقها. ولذا اختلفت الرؤية عن خطط التنمية الخمسية السابقة لأنها جعلت لكافة الخطط المرسومة المتنوعة آليات تنفيذ حوكمة منهجية على كافة القطاعات والشرائح الاجتماعية وحددت أدوات صارمة في محاربة أنواع الفساد حتى يمكن تحقيق أهداف ومسارات الرؤية وأدوات قياس لها. ويمكن القول ما كان مفقودا في السابق هو القيادة التنفيذية الحازمة، مما أدى لتغيير العديد من المعادلات وقلب كثيراً من الموازين والاستراتيجيات المحلية والإقليمية والدولية بسبب آثار جوانبها المتعددة على أكثر من صعيد محلي، حيث حُددت مجالات وخطى تنويع مصادر الدخل الوطني المستقبلية لتحقيق تخفيض نسبة اعتماد إيرادات ميزانية الدولة من الزيت الخام وترشيد مصروفات ونفقات الدولة العامة عبر الحوكمة وتطبيق الأنظمة على كافة المواطنين حتى يمكن تأمين الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد ولإتاحة استخدام الوفورات المالية في تنمية البنية الأساسية والمشاريع الاقتصادية والزراعية وقطاع السياحة واتباع سياسة الاستثمارات الخارجية المختارة بعناية، بينما شهد قطاع الصناعة العديد من القرارات المحورية في تطوير عمليات استغلال الثروات الهيدروكربونية والمعدنية خاصة في الانتقال من سياسة مبيعات الخامات الى استغلالها في صناعات نهائية متطورة، مما تطلب الإسراع في عمليات التخصيص الذي توج في دمج صناعة البترول والغاز والبتروكيماويات من خلال أرامكو السعودية وسابك كشركة مستقلة بأعمالها ونشاطها، لزيادة مساهمتها في العوائد المالية والاقتصادية للدولة.
أما قطاع النفقات العسكرية البالغ حجمها ٨٧ مليار دولار عام ٢٠١٥م والتي شكل مسارها التاريخي استنزافا كبيرا لموارد الدولة، فقد أولتها رؤية ٢٠٣٠م موقعا محوريا في صلب خططها التنفيذية من تخفيض وترشيد حجم النفقات عبر تقليص فاتورة المشتريات العسكرية وهي الأعلى عالميا البالغ نسبتها ٨٪ من الناتج المحلي الإجمالي لعام ٢٠٢١م لغاية الوصول إلى نسبة توطين ما يزيد على ٥٠٪ من الإنفاق العسكري بحلول ٢٠٣٠م، بالإضافة إلى خلق مجالات وظيفية واسعة. ومع أهمية قطاع توطين قطاع التصنيع العسكري وحيويته في منظومة التنمية الاقتصادية والأبحاث العلمية وتوظيف الكوادر الوطنية وتقليص النفقات بشكل مهم، إلا أن مسألة توطين التصنيع العسكري السعودي اكتسب اهتماما دوليا بالغا لآثار انعكاساته على ميزانيات الصناعات العسكرية في الدول الكبرى المصدرة للسلاح خصوصا تلك المعتمدة على احتكار مبيعات الأسلحة والذخائر ومغالاتها في تسعيرها، ناهيك عن إمكانية حظرها وقت الأزمات. وقد شهدت هذا الامتعاض من سياسة توطين الصناعات العسكرية السعودية خلال زيارة للولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٦م عندما أشار أحد المختصين من الأمريكيين إلى صعوبة إنشاء صناعات عسكرية متقدمة في الدول التي لا تمتلك ناصية التقنية والمعرفة فجاءه الرد «إننا سمعنا نفس هذه المقولة عند إنشاء شركة سابك عام ١٩٧٥م وهي اليوم إحدى كبرى شركات البتروكيماويات العالمية»، وبمشيئة الله نحن عازمون في تحقيق أهداف واستراتيجيات رؤية ٢٠٣٠م، ومنها توطين الصناعة العسكرية السعودية.
هذه التطورات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية السعودية تعكسها الأرقام الاقتصادية الدولية لعام ٢٠٢٠م من تبوؤ المملكة العربية السعودية المرتبة ٢٠ على المستوى العالمي، رغم الانخفاض الكبير من الإيرادات البترولية نتيجة وباء كورونا، بينما تشير مراكز الأبحاث المتخصصة الدولية إلى أن الاقتصاد السعودي مقبل بمشيئة الله إلى احتلال المرتبة ١٤ على المستوى الدولي بحلول عام ٢٠٥٠م؛ وهو ما يعكس حجم التنمية المتوخاة نتيجة تطبيقات استراتيجيات وأهداف رؤية ٢٠٣٠م. هذه التوقعات تثير روح التفاؤل لمستقبل زاهر بمشيئة الله لشعب المملكة العربية السعودية ولكنها تغيظ الخصوم والحاسدين الذين يعادون بلاد الحرمين الشريفين ويعملون بكافة الوسائل لإيقاف حركة إنجاز رؤية ٢٠٣٠م لما تمثله نجاح الرؤية من تغيير كثير من المعادلات الدولية خاصة الرمزية الأساسية في نظرة أكثر من مليار مسلم إلى حضارة الإسلام ومن اعتزاز العرب الأقحاح بإنجازاتها وتطلعات قيادتها الرائدة إقليميا ودوليا في سياساتها المستقلة لصالح بلادها وخير الإنسانية.
وما نشاهده على الساحة من تكالب القوى المعادية للمملكة العربية السعودية ما هو إلا محاولات مستميتة لوقف عجلة رؤية ٢٠٣٠م.
وهكذا يعود العداء التاريخي للدولة السعودية الإقليمي والدولي منذ نحو ثلاثة قرون والمستمر إلى يومنا هذا إلى سياسة استقلالية القرار السعودي والتفاف المواطنين سياجا في حماية راية التوحيد وحياض بلادهم والعمل على نمائها، وكسب الدولة ثقة ومصداقية شريحة كبيرة من العرب والمسلمين.
وما علينا سوى استعراض بعض من المواقف السياسية المستقلة والريادية في العصر الحديث منذ قيام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في تأسيس الدولة السعودية الثالثة في (٥ شوال ١٣١٩هـ - ١٥يناير ١٩٠٢م) من تغيير في موازين القوى العالمية القائمة -آنذاك- بإخراج القوات التركية المحتلة من منطقة الأحساء عام ١٩١٣م، ومنح الشركات الأمريكية البترولية حق التنقيب والاستخراج في مناطق امتياز بالمنطقة الشرقية في ٢٩مايو ١٩٣٣م، فكان قرار تاريخيا اقتصاديا أخرج البلاد من دائرة الفقر، وسياسيا حاسما في تقليص دور وهيمنة الإمبراطورية البريطانية شبه المطلقة على منطقة الشرق الأوسط والمساهمة في تغيير موازين القوى العالمية، تبعها قيام المملكة العربية السعودية بالمشاركة في تأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك) عام ١٩٦٠م، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة (الأوابك) عام ١٩٦٨م، وإنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي بالرياض عام ٢٠٠٥م، وعبرت المملكة من خلال هذه المنظمات الثلاث عن دورها الريادي الاقتصادي والسياسي على الساحتين الإقليمية والدولية، فالأوبك كانت الآلية المحورية في توازن أسعار وإنتاج البترول على نطاق عالمي وعامل إيجابي في استقرار الاقتصاد الدولي، أما الأوابك رغم أن دورها كان محدودا للغاية ومحصورا تقريبا في حوارات الطاقة والبيئة الدولية ونشاط الشركات العربية البترولية المشتركة، إلا أنه من خلال أحد اجتماعاتها الوزارية صدر عنها قرار تاريخي سياسي عربي معني بمنهجية المقاطعة العربية البترولية إبان حرب ١٩٧٣م، بينما حققت أمانة منتدى الطاقة الدولي إقبالا في عضويتها حتى بلغ عدد دولها الأعضاء الحالي سبعين دولة من كبار المنتجين والمستهلكين للطاقة في العالم؛ بهدف العمل على تنسيق سياسات الطاقة الدولية ودعم نماء الاقتصاد العالمي.
هذا الدور الريادي السعودي في تشكيل العديد من المنظمات الإقليمية والدولية هو أحد المؤشرات الرئيسية في مبادرات واستقلالية القرار السعودي البناءة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وقد واكب استقلالية القرار الوطني تنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية محلية متدرجة من توحيد المملكة العربية السعودية عام ١٩٣٢م، بداية من مرحلة معاناتها -آنذاك- من شُح مواردها المالية إلى كيان دولة قوية البنيان الاقتصادي مع حلول بداية القرن الحادي والعشرين حتى أصبحت عضوا بارزا في نادي دول الاقتصادات الكبرى من مجموعة العشرين. وقد واجهت المملكة طوال هذه الحقبة التاريخية صراعات وتحديات سياسية إقليمية ودولية جسيمة وتكاليف أعباء مالية باهظة وبشرية من مشاركتها في حرب فلسطين عام ١٩٤٨م وحرب رمضان ١٩٧٣م، بينما شكلت حرب تحرير الكويت عام ١٩٩٠م منعطفا استراتيجيا فكريا في تعديل أولويات أهداف الدولة بإتباع نهج سياسي جديد لحماية المكتسبات وصيانة الأمن الوطني السعودي، وذلك بالاعتماد شبه الكلي على القوى العسكرية السعودية بسبب تفاقم الاضطرابات الإقليمية من مصادر عربية وإيرانية وتركية تؤازرها أطماع دولية في المنطقة للسيطرة التامة على خيرات المنطقة العربية عبر وكلاء طائفيين جدد، واتضحت معالم تلك المخططات من تبني الحكومة الأمريكية الديموقراطية ما أسمته بالربيع العربي وتخادم المصالح الأمريكية والإيرانية والتركية لزلزلة الكيانات العربية والهيمنة عليها، مما أوجب على المملكة إسراع الخطى في بناء قوات سعودية متطورة رادعة عددا وعدة حتى تبوأت السعودية المرتبة العاشرة عالميا والأولى عربيا في عدد القوات العاملة التي بلغ تعدادها ٤٨٠ ألف فرد حسب إحصاءات عام ٢٠٢١م. وقد تنامت قدرات القوات السعودية خلال العشرين عاما المنصرمة، ما مكن المملكة من الذود عن حياض الوطن ومؤازرة جيرانها من الدول العربية، فتحركت قوات الواجب السعودية عام ٢٠١١م في حماية استقلال مملكة البحرين ودعم الثورة المصرية عام ٢٠١٣م ضد تخادم الإخوان المسلمين والقوى الخارجية. وفي عام ٢٠١٥م جاءت عاصفة الحزم السعودية لدعم الشرعية في اليمن لكف سطوة التمدد الإيراني على مقادير اليمن كما حصل في العراق وسورية ولبنان. ولم يكن هذا دورا ممكنا للمملكة العربية السعودية من مواجهته بكف مخاطر مخططات الربيع العربي وتخادم السياسات الأمريكية الإيرانية لولا توفر اقتصاد سعودي متين ومدعوم بقوى عسكرية رادعة تحت قيادة حكام أشاوس أصحاب حكمة وقوة وشكيمة.
وفي عام ٢٠١٦م برزت رؤية ٢٠٣٠م من قبل مهندسها سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وهي رؤية شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتطوير المجتمع عبر العديد من الأهداف والاستراتيجيات والخطط حددت فيها آليات تنفيذها وطرق متابعة تطبيقها. ولذا اختلفت الرؤية عن خطط التنمية الخمسية السابقة لأنها جعلت لكافة الخطط المرسومة المتنوعة آليات تنفيذ حوكمة منهجية على كافة القطاعات والشرائح الاجتماعية وحددت أدوات صارمة في محاربة أنواع الفساد حتى يمكن تحقيق أهداف ومسارات الرؤية وأدوات قياس لها. ويمكن القول ما كان مفقودا في السابق هو القيادة التنفيذية الحازمة، مما أدى لتغيير العديد من المعادلات وقلب كثيراً من الموازين والاستراتيجيات المحلية والإقليمية والدولية بسبب آثار جوانبها المتعددة على أكثر من صعيد محلي، حيث حُددت مجالات وخطى تنويع مصادر الدخل الوطني المستقبلية لتحقيق تخفيض نسبة اعتماد إيرادات ميزانية الدولة من الزيت الخام وترشيد مصروفات ونفقات الدولة العامة عبر الحوكمة وتطبيق الأنظمة على كافة المواطنين حتى يمكن تأمين الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد ولإتاحة استخدام الوفورات المالية في تنمية البنية الأساسية والمشاريع الاقتصادية والزراعية وقطاع السياحة واتباع سياسة الاستثمارات الخارجية المختارة بعناية، بينما شهد قطاع الصناعة العديد من القرارات المحورية في تطوير عمليات استغلال الثروات الهيدروكربونية والمعدنية خاصة في الانتقال من سياسة مبيعات الخامات الى استغلالها في صناعات نهائية متطورة، مما تطلب الإسراع في عمليات التخصيص الذي توج في دمج صناعة البترول والغاز والبتروكيماويات من خلال أرامكو السعودية وسابك كشركة مستقلة بأعمالها ونشاطها، لزيادة مساهمتها في العوائد المالية والاقتصادية للدولة.
أما قطاع النفقات العسكرية البالغ حجمها ٨٧ مليار دولار عام ٢٠١٥م والتي شكل مسارها التاريخي استنزافا كبيرا لموارد الدولة، فقد أولتها رؤية ٢٠٣٠م موقعا محوريا في صلب خططها التنفيذية من تخفيض وترشيد حجم النفقات عبر تقليص فاتورة المشتريات العسكرية وهي الأعلى عالميا البالغ نسبتها ٨٪ من الناتج المحلي الإجمالي لعام ٢٠٢١م لغاية الوصول إلى نسبة توطين ما يزيد على ٥٠٪ من الإنفاق العسكري بحلول ٢٠٣٠م، بالإضافة إلى خلق مجالات وظيفية واسعة. ومع أهمية قطاع توطين قطاع التصنيع العسكري وحيويته في منظومة التنمية الاقتصادية والأبحاث العلمية وتوظيف الكوادر الوطنية وتقليص النفقات بشكل مهم، إلا أن مسألة توطين التصنيع العسكري السعودي اكتسب اهتماما دوليا بالغا لآثار انعكاساته على ميزانيات الصناعات العسكرية في الدول الكبرى المصدرة للسلاح خصوصا تلك المعتمدة على احتكار مبيعات الأسلحة والذخائر ومغالاتها في تسعيرها، ناهيك عن إمكانية حظرها وقت الأزمات. وقد شهدت هذا الامتعاض من سياسة توطين الصناعات العسكرية السعودية خلال زيارة للولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٦م عندما أشار أحد المختصين من الأمريكيين إلى صعوبة إنشاء صناعات عسكرية متقدمة في الدول التي لا تمتلك ناصية التقنية والمعرفة فجاءه الرد «إننا سمعنا نفس هذه المقولة عند إنشاء شركة سابك عام ١٩٧٥م وهي اليوم إحدى كبرى شركات البتروكيماويات العالمية»، وبمشيئة الله نحن عازمون في تحقيق أهداف واستراتيجيات رؤية ٢٠٣٠م، ومنها توطين الصناعة العسكرية السعودية.
هذه التطورات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية السعودية تعكسها الأرقام الاقتصادية الدولية لعام ٢٠٢٠م من تبوؤ المملكة العربية السعودية المرتبة ٢٠ على المستوى العالمي، رغم الانخفاض الكبير من الإيرادات البترولية نتيجة وباء كورونا، بينما تشير مراكز الأبحاث المتخصصة الدولية إلى أن الاقتصاد السعودي مقبل بمشيئة الله إلى احتلال المرتبة ١٤ على المستوى الدولي بحلول عام ٢٠٥٠م؛ وهو ما يعكس حجم التنمية المتوخاة نتيجة تطبيقات استراتيجيات وأهداف رؤية ٢٠٣٠م. هذه التوقعات تثير روح التفاؤل لمستقبل زاهر بمشيئة الله لشعب المملكة العربية السعودية ولكنها تغيظ الخصوم والحاسدين الذين يعادون بلاد الحرمين الشريفين ويعملون بكافة الوسائل لإيقاف حركة إنجاز رؤية ٢٠٣٠م لما تمثله نجاح الرؤية من تغيير كثير من المعادلات الدولية خاصة الرمزية الأساسية في نظرة أكثر من مليار مسلم إلى حضارة الإسلام ومن اعتزاز العرب الأقحاح بإنجازاتها وتطلعات قيادتها الرائدة إقليميا ودوليا في سياساتها المستقلة لصالح بلادها وخير الإنسانية.
وما نشاهده على الساحة من تكالب القوى المعادية للمملكة العربية السعودية ما هو إلا محاولات مستميتة لوقف عجلة رؤية ٢٠٣٠م.