-A +A
بشرى فيصل السباعي
للدين جناحان؛ الفقه: وهو القانون الشرعي كالحدود والطهارة، والجناح الآخر: الحكمة الربانية، ولهذا في القرآن لم يذكر الفقه إلا وذكر معه الحكمة (الكتاب والحكمة) (الربانيون والأحبار) الأحبار: خبراء الفقه، الربانيون: خبراء الحكمة/ المفكرون، لكن للأسف علم الحكمة منقرض بالخطاب الإسلامي، وهو الذي يبصر الناس بالغاية والمعنى والمقصد من تعاليم الدين، وعندما تغيب بصيرة الحكمة تظهر تبريرات سطحية لفروض الدين،. مثل التفسير التبريري السائد بالخطاب الإسلامي بأن الغاية من الصوم هي الإحساس بالفقراء! فلماذا هو مفروض على الفقراء؟ وهل كل الأغنياء الصائمين يحسون بالفقير فيؤدون الزكاة والصدقة؟ الحقيقة أن الصيام رياضة روحية لتدريب النفس على التحكم بنزعاتها الغرائزية والانفعالية اللا واعية وإلزامها بالمثاليات العليا، وكل ما يقوم به الإنسان بشكل لا واع لا يستحضر فيه معنى وغاية جوهرية لا يكون له أدنى فائدة وأثر إيجابي على أخلاقه وشخصيته؛ ولذا تكثر برمضان الشجارات بالشوارع والبيوت حتى أن هيئة القضاء بفلسطين منعت تسجيل الطلاق بالمحاكم الفلسطينية خلال رمضان لملاحظتهم أن الخصومات الزوجية تزيد ويتسرع الأزواج بالطلاق في رمضان أكثر من غيره من الشهور، وسبب الحالة الانفعالية السلبية الزائدة برمضان هو حنق الأشخاص من تقييد رغابتهم بالصيام بالإضافة لتحول رمضان لمناسبة اجتماعية تضع ضغوطاً مادية على الأسر كالبذخ باجتماعات الأسر على ولائم الفطور والسحور ومشتريات العيد، وأدلة أن الصيام رياضة روحية للتدريب على ضبط النفس عن المظالم وكل ما يناقض المثاليات العليا؛ (من لم يدع قول الزور- ما يخالف الصواب والحق- والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) البخاري. (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) ابن ماجة والحاكم. (الصيام جنة -حماية- فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث -الرفث: الفحش- ولا يجهل «برواية؛ ولا يصخب»، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين) البخاري. (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو -الكلام اللا واعي- والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم) ابن حبان والحاكم، بالإضافة لأن الشعائر التي تتضمن إمساكا عن النزعات الجسدية كالصيام والإحرام والاعتكاف تحول طاقات الإنسان من الجانب الجسدي المادي إلى الوعي الروحي، ومن ثم هذا الوعي الروحي المرتفع يحرك الإنسان ليتصرف بشكل أفضل ويتعود على هذه الأنماط الفضلى على مدار شهر لتصبح راسخة لديه، ولهذا علامة تحقيق الإنسان للغاية الجوهرية من الصيام هي أن تتحسن كل أنماطه وشخصيته في رمضان وما بعده.