-A +A
أنمار مطاوع
الدعوة بأسماء الله الحسنى في الآية: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا..) قد تأتي بصيغة التقرب إليه سبحانه وتعالى بالتخلُّق بمعاني الأسماء.. كالتقرب باسم الرَّحِيمُ بأن يكون العبد رفيقا بمن حوله.. والْغَفُورُ بأن يكون ليّن الجانب مع الآخرين ويتجاوز عن أخطائهم. فكل من تخلّق باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى -التي لا تختص بجلاله وحده- ناله منه نصيب.

(السِّتِّير) هو اسم من أسماء الله تعالى الواردة في السّنة النبوية الشريفة: (.. إن الله حيِّي سِتِّير..). وقد أُخبر عن الله جل جلاله أنه (ستَّار)؛ أي من شأنه وإرادته حبُّ السَّتر والصّون على عباده. وجاء في شرح اسم (السِّتِّير): أنه ساترٌ يستُر على عبادة، ويأمر بالسّتر، ويبغض المجاهرة والمفاخرة بالمعصية.. ويُحب من عباده السّتر على أنفسهم وعلى الآخرين. قال صلى الله عليه وسلم: (.. وإن مِن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يُصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا). وقوله في الستر على الآخرين: (.. ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة).


التخلّق باسم السِّتِّير يعني: أن يجتهد الإنسان في الستر على نفسه وعلى الآخرين من حوله وأن يجعل الستر مفردة ثقافية في كل مجالات حياته الخاصة والعامة؛ ولو ذاعت هذه الثقافة في المجتمع، ستنقرض الغيبة والنميمة من أحاديث الناس.. وتصبح صفحات الكل بيضاء.

تحت مفهوم السّتر على النفس، من المهم أن يتحلى الإنسان بفضيلة عدم فضح الذات، وحصر أسراره الخاصة على خالقه (السِّتِّير).

بعض المفاهيم الثقافية تدخل ضمن (الفضح) دون وعي. على سبيل المثال، التحدث عن العلاقات السابقة بين الزوجين لكشف الأسرار بينهما.. يتنافى مع السّتر، وتحدُّث الموظف عن لحظة ضعفه وارتكابه مخالفات أخلاقية في العمل.. يتنافى مع السّتر، وتحدُّث الفرد عما فعله في الماضي من آثام وسقطات.. يتنافى مع السّتر. كلها فضح للذات مع سبق الإصرار.

من وقعت منه زلة وستره الله.. عليه أن يستر نفسه.. فليس في الإسلام مفهوم البَوح.. بل الحث على السّتر على المعصية التي ابتلي بها الإنسان. ومن الدعاء (.. اللهم استر عوراتي..)، وليس من الحكمة أن يدعو الإنسان الله بأن يستر عوراته.. ويفضحها بنفسه.. أو يدعو بالسّتر لنفسه ويفضح الآخرين. لهذا، القِصص الفضائحية التي يتلهف لها المستمعون، تحتاج لتهذيب النفس وردع الهوى لمقاومة سردها أو الاستماع إليها.. وما يساعد على التهذيب والردع هو اسم السِّتِّير.. (إن الله سِتِّير يحبُّ السِّتر).

إذا تمثّل الفرد بمفهوم اسم السِّتِّير، سينعكس ذلك المفهوم على كل مفردات حياته.. وسيجد أنه قضى على الكثير من الخلافات الشخصية.. وارتاح ضميره.. وفكره. السّتر من أجمل الخصال التي يتحلى بها الإنسان ويرتقي معها في الأخلاق.. فحب الفضائح يهوي بالنفس الإنسانية إلى سافلين.

السّتر على الذات -بعدم الإفصاح عن السلوكيات الآثمة- وعلى الآخرين -بعدم غيبتهم ونميمتهم- ليس سهلاً على النفس المُحبة للفضائح. لهذا، السّتر يحتاج إلى إرادة.. وتصحيح مفاهيم.. وترويض للنفس البشرية.. والأهم: تخلُّق باسم السِّتِّير.