-A +A
عبدالله بن بخيت

عشنا سنوات طويلة في صراع مع كل شيء جديد. ما أن تأتي آلة أو يقر نظام حتى يبدأ الصراع ولا ينتهي هذا الصراع إلا بعد أن يرى رجال الدين مصلحتهم في هذه الآلة أو ذاك النظام. عندما جاءت القنوات الفضائية دخلنا في صراع مرير معها حتى بلغ الأمر بالمراهقين المتحمسين أن أعلنوا الحرب عليها بالبنادق المتاحة. ومع الوقت اكتشف رجال الدين أن هذه الوسيلة مفيدة فاستثمروها بأبشع ما يكون عليه الاستثمار. عندما أقر الملك عبدالله دمج تعليم البنات مع تعليم الذكور ثارت ثائرتهم ولم تهدأ حتى تأكدوا أن التغيير لا مناص منه ولن ينال القرار من نصيبهم المعلوم. سيرة كاملة امتدت عشرات السنين، حتى بدا للإنسان العادي ولأتباعهم أن الأمور لن تسير في هذه البلد إلا بإذنهم.

وضعوا المرأة درعاً يتقون به أي رد فعل من المجتمع، استغلوا حساسية المجتمع من الشرف المتعلق بالعلاقة الجنسية بين الجنسين فطوروا رهاباً اسمه المرأة فصار الشرف العائلي سلاحهم الماضي. لو تتبعت فتاواهم وخطبهم وأحاديثهم ستتأكد أنها تدور حول المرأة؛ نرفض الترفيه بسبب المرأة ونرفض الابتعاث بسبب المرأة ونكره الغرب بسبب المرأة ونحرم الموسيقى بسبب المرأة ونحرم الفنون بسبب المرأة ونرفض السياحة بسبب المرأة، فصار مشروعنا الأوحد عباءة المرأة، سواقة المرأة، خروج المرأة، اختلاط المرأة، سفر المرأة، رياضة المرأة وطريقة جلوس المرأة.

عندما أعلن الأمير محمد بن سلمان مشروع تحرير المرأة ظننت في البداية أن في الأمر شيئاً من التسرع، لم أدرك حينها طبيعة الحروب والنصر الحاسم فيها. عندما اندلعت حرب تحرير الكويت علمنا بعد نهاية الحرب أن الضربة الأولى التي وجهها جيش التحالف لجيش صدام حسين كانت هي الضربة التي حسمت الحرب، ما تبقى من معارك لم تكن سوى تطهير أرض المعركة من آثار الاحتلال. في الحوار الذي دار بين الأمير والأستاذ عبدالله المديفر لم يأت أحد على سيرة المرأة، فتذكرت أن أولى المعارك التي حسمها الأمير هي معركة المرأة. عند تتبع تصاعد مشروع الأمير التحديثي سنرى أن الأمير دخل الحرب بأن دمر بالضربة الأولى سلاحهم الوحيد الذي صالوا وجالوا به وتنقلوا به على كل الجبهات. انتزاع المرأة من قبضتهم أبان للمجتمع أنهم جهلة مغلقون. لا يفهمون في الاقتصاد، لا يفهمون في السياسة، لا يفهمون في البيئة. وكما قال الأمير لا يعلمون أن الأرض تدور. للقفز على هذا الجهل جعلوا مستقبل الأمة رهينة الموت. كل ما نريد أن نحققه في حياتنا هي حياتنا بعد الموت. سعينا الوحيد أن نتصالح مع الشجاع الأقرع في القبر ونتفادى صب الرصاص في آذاننا يوم الحساب ونعمل على حماية جلودنا من الحرق مرة تلو الأخرى عندما تشوى أجسادنا في جهنم.. هذا كل الطموح الذي تركوه في مستودع آمالنا. لم نعد نفكر في الاقتصاد ولم نعد نفكر في البطالة ولم نعد نفكر في التقدم ولم نعد نفكر في الرفاهية ولم نعد نفكر في المنافسة مع الأمم.

في لقائه الأخير الشامل لم يسمع أحد أن محمد بن سلمان قال امطري يا سحابة أنى شئت فخراجك سيأتي إلي. خراج محمد بن سلمان لن يأتي من انتظار الخليفة أن يفيق من موته ليغزو بأبنائنا الشعوب البائسة وينهبها كما يطمحون. ستمطره الاستثمارات والمدن الصناعية ومراكز الأبحاث والجامعات وحرية الناس ومساندة الشعوب البائسة لا نهبها.