التقيت في عطلة عيد الفطر المبارك هذا أعادها الله عليكم بالخير واليمن والبركات، بصديق من أيام الدراسة لم ألتقه منذ فترة طويلة جدا من الزمن، وبالتالي كانت فرصة جميلة لتجديد الود القديم ومعرفة ما صنعت فيه الأيام. بدأ الرجل حديثه بالعبارات التقليدية عن الأيام والزمان وما فعلته بنا، ثم تحول بالتدريج إلى الشكوى من أوضاع العمل والتذمر تحديدا من رؤسائه في العمل ومديريه، بالذات وبكونهم محدودي القدرات وليس لديهم بعد النظر، وعليه لن يكون بإمكانهم تحقيق أي إنجازات مبهرة وخلاقة وخارجة عن المألوف. قلت له أتذكر من أيام دراستنا بأنك كنت مهووسا بكرة القدم؟ قال ولا زلت. قلت له حسناً ممتاز فمعنى ذلك أنك ستستوعب ما الذي سأقوله لك ومعناه. هناك ثلاثة إنجازات كروية مميزة وتاريخية في كرة القدم في كل من تونس والسعودية ومصر، وكلها تم تحقيقها على أيدي مدربين وطنيين مغمورين في وقتها. تونس وصلت إلى بطولة كأس العالم لأول مرة في تاريخها، وأدت مباريات عظيمة بقيادة المدرب الوطني عبد المجيد الشتالي، والسعودية حققت إنجازا مميزا بفوزها ببطولة كأس آسيا لأول مرة في تاريخها بقيادة المدرب الوطني خليل الزياني، ومصر حققت انتصارات مبهرة على صعيد بطولة كأس أفريقيا وأصبح يعرف جيلها وقتها باسم الجيل الذهبي تحت قيادة المدرب الوطني حسن شحاتة. المغزى من هذه الأمثلة هو أنه متى أعطيت الفرصة بجدارة واستحقاق لمن يستحقها من أهل الكفاءة من الممكن أن تأتي بالنتائج المفيدة والمذهلة والمفرحة والمبهجة. فما كان من الرجل إلا أن أقحم الدين في النقاش، وقال لي ولكن أو ليس الاستشهاد بكرة القدم في حديث جدي يعتبر نوعا من العبث ومن اللهو واللا جدية؟ الدين لم يأمرنا بذلك. قلت له دعني أشاركك في تجربة العمر وما خرجت به بعد مشوار الحياة الطويل. فهمي لديني هو مشوار يخصني ويعنيني أنا وحدي، وهو مشوار لا يتوقف حتى آخر أيام العمر، وأن حساب ربي لي هو على ما ظلمت نفسي به (وليس غيري!) خلال مشواري قائم على استيعابي وفهمي للحقيقة وليس الحقيقة نفسها. وهذا الاستيعاب والفهم مبني على عناصر عديدة ومختلفة مثل الأسرة والنشأة والتربية واللغة والصحبة والتعليم والبيئة الاجتماعية والتجربة والخبرة التراكمية والكتب والمعلومات والمعرفة التي وضعت في دربه، فشكلت وعيه بما في ذلك معدل الذكاء الذي أنعم الخالق به سبحانه وتعالى على الإنسان هو الذي سيجعل من الحساب تجربة خاصة وفريدة لكل إنسان بالمقارنة مع غيره حتى لو أتيا بنفس الذنب. هذا مفهومي للعدل وهذا استيعابي للرحمة وهذا الذي يصلني من مفهوم الآية (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وهو أيضا فهمي للآية الكريمة التي تقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهو أيضا فهمي للآية الشريفة (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) وأيضا للآية التي تقول (الله يحكم بينكم يوم القيامة في ما كنتم فيه تختلفون) وبالتالي لا يوجد فرض دين على الإنسان بالإكراه والجبر لأنه (لا إكراه في الدين) ولا يوجد سد أو حاجز بيني وبين ربي يفهمني ديني بطريقته لأن لا أحد يملك الحقيقية كاملة كلها. وهذا الفهم الذي يصل إليه الإنسان قابل للتغير والتطور مرة تلو الأخرى طالما لا ظلم فيها ولا أذى فهذا مشوار إلى الحق. واستمر الحديث مع صديق الدراسة عن ذكريات العمر ودروس وعبر الحياة وودعنا بعضنا البعض على أمل اللقاء قريبا طالما كان في العمر بقية. كل عام وأنتم بألف خير.