تناولت في مقالة الأسبوع الماضي تنامي التعاطف الغربي مع الحق الفلسطيني، والذي أتى على أنقاض جدلية المظلومية التي راهنت عليها إسرائيل لكسب تعاطف وتأييد الدول الغربية، وجاء في المقالة كيف ساهمت القنوات والمنافذ الإعلامية والاتصالية الجديدة على نشر ذلك الخطاب المناهض لها، خطاب بدأت معالمه تبدو واضحة في تصريحات سياسية ومظاهرات شعبية التي لم نكن نعهدها بذلك الوضوح والشفافية.
على الرغم من أن الإرهاصات الأولى لذلك الخطاب تعود إلى منتصف الثمانينيات، إلا أن البعض قد يظن أن ما نشاهده اليوم مجرد حالات استثنائية ومتفرقة، وربما ستنتهي عند أول بادرة لوقف إطلاق النار. هذا قد يكون صحيحا إلى حد ما، لكن إسرائيل والمنظمات الصهيونية الموالية لها في الغرب لا ترى ذلك، بل سارعت بتبني جهود ومشاريع إعلامية واتصالية تجسد مدى تخوفها من هذا الخطاب وانتشاره، وهو ما ستتناوله هذه المقالة.
شعرت إسرائيل بخطورة تنامي ذلك الخطاب المناهض لها، ومن أثره المحتمل في تشويه صورة حرصت على تحسينها بكل من أوتيت من وسائل للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية والتأثير عليها، وتخوفت مما قد يترتب على ذلك من تداعيات وضغوط سياسية ستجبرها على تنازلات لا تنسجم مع مشروعها الاستيطاني للقضاء على الحق الفلسطيني.
لم تعوّل إسرائيل في مواجهة هذا الخطاب على جهد حكومي أو على سفاراتها، فقد حرصت على إبعاد جهودها عن الدعاية الحكومية الممقوتة في المجتمعات الغربية، واعتمدت على مواطنين وموالين لها في الولايات المتحدة، ممن عرفوا وتمكنوا من استثمار البيئة التشريعية لإعطاء جهودهم صبغة المؤسسات غير الربحية، ولتكون مسجلة كمؤسسات مجتمع مدني، ولتبعد عنها سمة الدعاية الحكومية، وتمكنها من التشدق بالحيادية والمصداقية لدى جمهورها المستهدف.
كانت بداية تلك الجهود في عام 1982، حيث تم تأسيس منظمة تعرف في الأوساط الإعلامية الأمريكية بـ«كاميرا CAMERA»، وهذا اختصار بالأحرف الأولى من اسم المنظمة (لجنة متابعة الدقة في تقارير الشرق الأوسط في أمريكا Committee for Accuracy in Middle East Reporting in America) تعمل هذه المنظمة على رصد كل ما يكتب في الصحافة الأمريكية، ليتم بعد ذلك إرسال ردود وتعقيبات على كل ما ترى أنه تصحيح لما يكتب ضد إسرائيل في الأخبار أو المقالات سواء في الأسلوب والصياغة أو في اختيار المفردات. ولهذه المنظمة مكتب في لندن لرصد ومتابعة ما يرد في وسائل الإعلام البريطانية.
ومع ظهور شبكة الإنترنت في التسعينيات، لم يعد الرصد الإعلامي مقتصرا على الوسائل الإعلامية الغربية، حيث تم إنشاء منظمة في عام 1998 باسم معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، وتعرف اختصارا بـ«ميمري MEMRI»، وهي الأحرف الأولى من اسم المنظمة باللغة الإنجليزية (Middle East Media Research Institute). تقوم هذه المنظمة بالرصد والمتابعة لما ينشر ويبث في الصحف والقنوات التلفزيونية في الدول العربية وعدد من الدول الإسلامية، واختيار كل ما يظهر الكراهية تجاه إسرائيل أو الدول الغربية وثقافتها، أو يتضمن فتاوى وآراء دينية شاذة. وترجمة ما تم التوصل إليه من مقالات ومقاطع فيديو إلى عدة لغات تشمل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، وليتم بعد ذلك إرسالها إلى قوائم بريدية تضم أسماء شخصيات برلمانية وحكومية وإعلامية وأكاديمية في عدد من العواصم العالمية. والهدف هنا شيطنة العرب والمسلمين وتشويه ثقافتهم، وتصويرها بأنها عصية على التوافق والتعايش مع قيم الثقافة العالمية التي تحترم الانفتاح والتسامح. وهذا أسلوب يسمى في الإعلام بالحملات السلبية، والقائم على بيان عيوب الخصم بدلا من التباهي بالإيجابيات الذاتية، ولا يقوم بذلك إلا من شعر بمؤشرات الضعف والهزيمة إعلاميا، وأن صورته ليست في أحسن أحوالها، لذا يتم توجيه الأنظار إلى سلبيات الخصم.
بعد تنامي الخطاب المناهض لإسرائيل ووصوله إلى المحيط الأكاديمي، تم إنشاء منظمة لمراقبة الجامعات (Campus Watch) في عام 2002، وتعمل بالضغط على مسؤولي الجامعات بذريعة معاداة السامية لكل نقد ووجهة نظر لا تتفق مع وجهة نظر إسرائيل سواء ورد ذلك في كتاب في المكتبة أو في القراءات المطلوبة لمقرر دراسي أو في ندوة أو لقاء أكاديمي. وفي عام 2007 تم إنشاء جمعية أكاديمية متخصصة بدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا The Association for the Study of the Middle East and Africa لمواجهة جمعية دراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية Middle East Studies Association of North America، وهي جمعية عريقة تأسست في منتصف الستينيات، وعرفت مؤتمراتها بنظرة تتسم بقدر كبير من الموضوعية تجاه الشرق الأوسط وثقافته، وكثير ما يرد فيها تقديم أوراق علمية تتناول تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، أو السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي الغالب لا تتفق مع المصالح الإسرائيلية ولا تخدم مصالحها.
على الرغم من أن الإرهاصات الأولى لذلك الخطاب تعود إلى منتصف الثمانينيات، إلا أن البعض قد يظن أن ما نشاهده اليوم مجرد حالات استثنائية ومتفرقة، وربما ستنتهي عند أول بادرة لوقف إطلاق النار. هذا قد يكون صحيحا إلى حد ما، لكن إسرائيل والمنظمات الصهيونية الموالية لها في الغرب لا ترى ذلك، بل سارعت بتبني جهود ومشاريع إعلامية واتصالية تجسد مدى تخوفها من هذا الخطاب وانتشاره، وهو ما ستتناوله هذه المقالة.
شعرت إسرائيل بخطورة تنامي ذلك الخطاب المناهض لها، ومن أثره المحتمل في تشويه صورة حرصت على تحسينها بكل من أوتيت من وسائل للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية والتأثير عليها، وتخوفت مما قد يترتب على ذلك من تداعيات وضغوط سياسية ستجبرها على تنازلات لا تنسجم مع مشروعها الاستيطاني للقضاء على الحق الفلسطيني.
لم تعوّل إسرائيل في مواجهة هذا الخطاب على جهد حكومي أو على سفاراتها، فقد حرصت على إبعاد جهودها عن الدعاية الحكومية الممقوتة في المجتمعات الغربية، واعتمدت على مواطنين وموالين لها في الولايات المتحدة، ممن عرفوا وتمكنوا من استثمار البيئة التشريعية لإعطاء جهودهم صبغة المؤسسات غير الربحية، ولتكون مسجلة كمؤسسات مجتمع مدني، ولتبعد عنها سمة الدعاية الحكومية، وتمكنها من التشدق بالحيادية والمصداقية لدى جمهورها المستهدف.
كانت بداية تلك الجهود في عام 1982، حيث تم تأسيس منظمة تعرف في الأوساط الإعلامية الأمريكية بـ«كاميرا CAMERA»، وهذا اختصار بالأحرف الأولى من اسم المنظمة (لجنة متابعة الدقة في تقارير الشرق الأوسط في أمريكا Committee for Accuracy in Middle East Reporting in America) تعمل هذه المنظمة على رصد كل ما يكتب في الصحافة الأمريكية، ليتم بعد ذلك إرسال ردود وتعقيبات على كل ما ترى أنه تصحيح لما يكتب ضد إسرائيل في الأخبار أو المقالات سواء في الأسلوب والصياغة أو في اختيار المفردات. ولهذه المنظمة مكتب في لندن لرصد ومتابعة ما يرد في وسائل الإعلام البريطانية.
ومع ظهور شبكة الإنترنت في التسعينيات، لم يعد الرصد الإعلامي مقتصرا على الوسائل الإعلامية الغربية، حيث تم إنشاء منظمة في عام 1998 باسم معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، وتعرف اختصارا بـ«ميمري MEMRI»، وهي الأحرف الأولى من اسم المنظمة باللغة الإنجليزية (Middle East Media Research Institute). تقوم هذه المنظمة بالرصد والمتابعة لما ينشر ويبث في الصحف والقنوات التلفزيونية في الدول العربية وعدد من الدول الإسلامية، واختيار كل ما يظهر الكراهية تجاه إسرائيل أو الدول الغربية وثقافتها، أو يتضمن فتاوى وآراء دينية شاذة. وترجمة ما تم التوصل إليه من مقالات ومقاطع فيديو إلى عدة لغات تشمل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، وليتم بعد ذلك إرسالها إلى قوائم بريدية تضم أسماء شخصيات برلمانية وحكومية وإعلامية وأكاديمية في عدد من العواصم العالمية. والهدف هنا شيطنة العرب والمسلمين وتشويه ثقافتهم، وتصويرها بأنها عصية على التوافق والتعايش مع قيم الثقافة العالمية التي تحترم الانفتاح والتسامح. وهذا أسلوب يسمى في الإعلام بالحملات السلبية، والقائم على بيان عيوب الخصم بدلا من التباهي بالإيجابيات الذاتية، ولا يقوم بذلك إلا من شعر بمؤشرات الضعف والهزيمة إعلاميا، وأن صورته ليست في أحسن أحوالها، لذا يتم توجيه الأنظار إلى سلبيات الخصم.
بعد تنامي الخطاب المناهض لإسرائيل ووصوله إلى المحيط الأكاديمي، تم إنشاء منظمة لمراقبة الجامعات (Campus Watch) في عام 2002، وتعمل بالضغط على مسؤولي الجامعات بذريعة معاداة السامية لكل نقد ووجهة نظر لا تتفق مع وجهة نظر إسرائيل سواء ورد ذلك في كتاب في المكتبة أو في القراءات المطلوبة لمقرر دراسي أو في ندوة أو لقاء أكاديمي. وفي عام 2007 تم إنشاء جمعية أكاديمية متخصصة بدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا The Association for the Study of the Middle East and Africa لمواجهة جمعية دراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية Middle East Studies Association of North America، وهي جمعية عريقة تأسست في منتصف الستينيات، وعرفت مؤتمراتها بنظرة تتسم بقدر كبير من الموضوعية تجاه الشرق الأوسط وثقافته، وكثير ما يرد فيها تقديم أوراق علمية تتناول تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، أو السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي الغالب لا تتفق مع المصالح الإسرائيلية ولا تخدم مصالحها.