-A +A
منى المالكي
استطاع عالم الآثار روبرت بولاد اكتشاف حطام السفينة «تايتنك» عام 1985م، تلك السفينة العملاقة التي غرقت في المحيط الأطلسي عام 1912م عندما انشطرت إلى نصفين نتيجة الاصطدام العنيف بالجبل الجليدي، ووفاة 1500 شخص من طاقم السفينة والركاب. واستخدم بولارد السونار لتحديد موقع السفينة وسبب غرقها. كما استطاع عالم الآثار اكتشاف مئات الآثار الثقافية عليها تفسر تلك الحقبة التاريخية، وقد استلهم المخرج العالمي جيمس كاميرون أحداث فيلمه الأشهر «تايتنك» من حُطام السفينة وأنتج فيلما يعد أغلى فيلم تمّت صناعته في ذلك الوقت بميزانيّة قُدّرت بنحو 200 مليون دولار. بعدَ صدورِه في 12 ديسمبر 1997، حقّق الفيلم نجاحاً نقديّاً وتجاريّاً كبيراً. وحاز على 11 جائزة أوسكار؛ منها جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج. وقد وصلت إيرادات الفيلم حول العالم لأكثر من 2.15 مليار دولار. وهذا جانب واحد فقط من استثمار الآثار فنياً، وإن كان الحديث حول جدوى التنقيب والعمل على الاكتشافات الأثرية يمتد لأبعد وأعمق من ذلك بكثير.

نعلم جميعا أن فكرة الآثار والعمل حولها فكرة مرفوضة تماما قبل خمس سنوات لدينا، بل كانت تعد من المحرمات، متمترسة تلك الفكرة خلف كمّ هائل من النصوص الدينية، وهذا ما جعلنا نصل متأخرين على الرغم من أننا نعيش فوق إرث تاريخي عظيم، ولكن الجدال حول تلك المسألة وغيرها من الأمور التي أتت الرؤية المباركة لنسفها سبب ضياعاً للوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليه للعمل على تلك الكنوز الأثرية التي نكتشف كل يوم ما يثبت أن لنا هناك في أعماق التاريخ أصولاً ومتناً بجذورنا في الأرض، ولسنا هامشيين وعلى أطراف التاريخ كما يحلو للبعض وصفنا بذلك!


فدراسة الآثار والتنقيب عنها تساعد على فهم الماضي، ومعرفة طريقة حياة الأمم البائدة، وكيف تطوّر الإنسان عبر التاريخ، كما وتُعرفنا الآثار على تطور المعتقدات الإنسانية في ما يتعلّق بالأمور الوجودية، والدينية، والمشاعر الإنسانية بكافّة أنواعها، وما إلى ذلك مما شكّل جدلاً كبيراً لدى الإنسان في كلّ زمان ومكان، كما وتأتي مصدقةً لما ورد من أخبار في النصوص الدينية في كثير من الأحيان، وبالتالي زيادة الإيمان والثقة بالله تعالى. ولا تزال المكتشفات الأثرية تؤدّي يوماً عن يوم هذه المهمة باقتدار كبير، وربط الإنسان بالأرض قيمة إنسانية عليا. كما أنها تساعد على فهم الأجواء والخلفيات التاريخية التي نزل النص الديني فيها، ممّا يُساعد إنسان اليوم على تفهم الغاية من أوامر الله تعالى ونواهيه بشكل أفضل. وتعمل الآثار على الارتقاء بمكانة الدولة الموجودة فيها من الناحية السياحية، وبالتالي من الناحية الاقتصادية؛ فالكثير من الدول اليوم تعتمد على معالمها الأثرية من أجل تثبيت نفسها على الخارطة السياحية في العالم.

ووجود آثار مثل مدائن صالح، وآثار ثاج في شرق المملكة غرب مدينة الجبيل، وآثار مدينة تيماء، وغيرها من المواقع الأثرية يثبت أن الحضارات الإنسانية تعاقبت على أرض المملكة. والتعاقب الحضاري على أرض المملكة لا يبدأ من 120 ألف سنة، وهو زمن تعاصر ذلك الكشف الأثري للبشر والحيوانات في منطقة تبوك، بل يعود إلى بداية العصر الحجري القديم منذ مليون و300 ألف سنة قبل الميلاد، وهذا كله ما نراه على أرض الواقع من خلال الهيئة الملكية لمحافظة العلا ومشاريع متعددة في رؤية المملكة 2030؛ وهي مشاريع تسهم في دعم الاقتصاد الوطني والعمل على جودة الحياة، كما أن وجود كليات متخصصة في جامعاتنا السعودية تعنى بالسياحة والآثار يعد رافدا مهما لهذا الكنز الإنساني العظيم الذي نعيش به ومعه، ولذلك فسؤال الجدوى والأهمية يعتبر ترفاً في وقت نحن في عمق الوجود الإنساني والتاريخي وجوداً وعملاً واستثماراً!