-A +A
طلال صالح بنان
يوم الأحد، قبل الماضي، صوت الكنيست على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بأغلبية ٦١ صوتاً مقابل ٥٨، مع امتناع عضو واحد عن التصويت. فازت حكومة تضم ائتلافاً من ثمانية أحزاب، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من أجل إنهاء عهد الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي استمر، اثني عشر عاماً.

حكومة مكونة من ائتلاف ثمانية أحزاب، بينهم من الاختلاف أكثر مما بينهم من الوفاق، لهي حكومة غير مستقرة، بامتياز. مقررٌ لهذا الائتلاف أن يتقاسم مدة رئاسة الوزارة بين نفتالي بنيت، زعيم حزب «يمينا» اليميني المتطرف ويائير لابيد، زعيم حزب «هناك مستقبل»، الوسطي، الذي ليس بالضرورة أقل تطرفاً. بينما يكون مصير استمرار هذا الوفاق، بيد أحزاب الوسط الستة التي بينها أحزاب يمينية، وجدت أنها أقرب للتيار اليميني الجديد، منها لليكود، مثل حزب إسرائيل بيتنا بزعامة أڤيجور ليبرمان، والقائمة العربية الموحدة، بزعامة منصور عباس.


حكومة بهذه التشكيلة، بفارق صوت واحد عن المعارضة، لا يتوقع لها الاستمرار، ويمكن أن تنهار، في أي لحظة... بالقطع لا يمكن لها أن تستمر أربع سنوات. قد يبدو مبهراً، مقارنةً بما هو موجود في المنطقة، أن تُشكل حكومة بفارق صوت واحد عن المعارضة... أمرٌ لا يمكن تصوره، في أي دولة في المنطقة. لكن ما يبدو أكثر إبهاراً، من الناحية السياسية، هو في نفس الوقت، من أخطر علامات عدم الاستقرار لنظام سياسي، تهتز الأرض من تحته.. وتعتمل المخاطر من حوله، ما بالك: إذا كان مثل هذا النظام «الديمقراطي»، يحكم «دولة» مستقبلها أصلاً غير مضمون، تماماً، كما أن شرعية وجودها، أصلاً، غير متوفرة.

«إسرائيلُ»، لأول مرة في تاريخها، تظهر هشاشة وضعها الأمني كـ«دولة»، في حربها الأخيرة مع قطاع غزة. وإن كان من الصعب القول، إن هذه الحرب، من نتائجها سقوط حكومة رئيس وزرائها العتيد (بنيامين نتنياهو)، لأن الحرب نفسها اندلعت في فترة مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وإن أبعدت نتنياهو من الظفر برئاسة الحكومة القادمة، وقد تنهي مصيره إلى السجن.

ثم إن الحرب على غزة، قبل أن تقود إلى إبعاد الليكود برئاسة نتنياهو عن حكم «إسرائيل» لأربع سنوات قادمة، وربما للأبد، إلا أنها أظهرت أزمة الديمقراطية بها. فبدلاً من أن تسفر تلك الحرب عن توحد الشعب الإسرائيلي، أكدت على انقسام نخبه السياسية، لدرجة الاستقطاب الحاد. حتى اليمين، نفسه، لم يستطع أن يثبت تماسكه، ونراه يتشتت، بما لا يمكن رصد أي قواسم مشتركة بين أحزابه وتياراته، إلا الرغبة في التخلص من نتنياهو.

كما أنه، لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية، يظهر نفوذ المتغير العربي، كصانع للحكومات. تغير جذري، حدث على المتغير العربي، بدفعه تجاه المشاركة في الحكم، بدلاً من أن يظل رهيناً للوسط واليسار، على هامش لعبة السياسة في «إسرائيل». القائمة العربية الموحدة، قررت أن لا تبقى أسيرة سلبية التعاطي مع واقع وجود «إسرائيل».

«إسرائيل»، في المرحلة القادمة عليها أن تتعايش مع هاجس أمنها، كـ«دولة»، في ظل نظام ديمقراطي يحتضر.