عندما أودعني دافع العربة صالة الانتظار لإجراء بعض التحاليل، شاهدت برنامجاً مسلياً كان يعرض على الشاشة، عن (البقر).
اكتشفت ولأول مرة وعبر هذا البرنامج، أن البقرة لم تعد حيواناً.. إنها آلة تستقبل الطعام، وتنتج لنا اللبن، وأن لديها خططها الإنتاجية، ولديها مديرها الآلي، الذي يعتبر عمله، مماثلاً تماماً لأي عمل آخر في الاقتصاد العام. وهو زيادة الإنتاج مع قلة التكلفة. إن (البقرة) تقوم بخدمتها بطريقة دقيقة وتامة، ولكن على حساب أنها لم تعد (بقرة).. هذه البقرة أشعرتني لأول مرة أنها (أنا) أو (أنا) هي، في لحظة ما..!
إحساس لا يمكن تصوره، لكنه إحساس يلازمني منذ تلقيت مكالمة من اثنين، رجل وسيدة يطلبان مني (فلوس)، تخيلوا التوقيت..! كان يتصل بي هو وهي، بداعي الاطمئنان عليّ، وتطورات حالتي الصحية، وكان جوابي الدائم: «أنا بخير»، أقولها للجميع.. أما الأحبة الحقيقيون فأعانقهم وأبكي. في الواقع أنا إنسان قليل الشكوى، فمن اعتاد التشكي، يُمرض نفسه، ويصبح مملاً لمن حوله. من يعرفونني جيداً يعرفون أنني من أولئك الذين يستبدلون التذمر، باستحضار النعم، فالله لا يبتليك بشيء إلا وهو خير لك..!
وإن شكوت للبشر على ماذا سينتهي الحوار؟ سينتهي غالباً بعبارة (الله يعينك)، فبالتالي اختصرتها من البداية وشكوت للذي يعينني، ولو تمكنت من رؤية قلوب البشر، لرأيت في كل قلب (قصة وجع). وأنا على يقين أن تعويضات الله مذهلة وتستحق الانتظار..! وحسن الظن بالله طمأنينة بحد ذاته.
اعتذرت بكل لطف للاثنين، فالاثنان ليسا من الفقراء، ولكن الفقير فعلاً ليس بالضرورة من ليس لديه مال.. فهناك فقير الأدب والأخلاق والقيم. ولقد فوجئت بما آلت إليه الأمور، نحن فعلاً نتوهم أحياناً أننا بقلوب أحدهم شيء كبير، ولكن يمر موقف بك، يجعلك تضحك على سخافة ظنك. أمطرني الاثنان بكلام موجع، وكأن لا شيء بي. ويعلم الله أن بي ألف شيء لا يقال. لكم هو مزعج، وقاتل، ومدمر لخلايا الإنسان أن يتعامل معك بعض البشر، على اعتبار أنك: (جزمة محشية فلوس)، حزنت على هذا العالم الذي تهاوى فيه كل شيء. دخلت إلى المنزل جلست من الإعياء على أقرب كرسي، أحسست أنني تجاوزت المليون عام بقليل. كان السكون والأسى يلف كل شيء، عدا (بنجي) أوفى الأصدقاء الذي كان يصر على أن يتمسح بحنان بالكرسي الذي أجلس عليه، يريد أن أحدثه، يريد أن أضع يدي فوق رقبته.. نظرت إلى عينيه العسليتين وتذكرت قول (أمي):
يا ولدي لا تفتح قلبك لكل الناس، فهناك أطفال يدقون الأبواب ومن ثم يهربون. وليتني استمعت إلى تلك الحكيمة، فبعض البشر كمسائل الرياضيات الحل طويل، والقيمة «صفر».
فثمة مشاعر كان يجب ألا تذهب إلى أحدهم، وثمة أحاديث، ليتها ما قيلت، وتضحيات ليتنا لم نقم بها، وأعذار ليتنا لم نلتمسها، فالانسحاب من حياة بعض البشر أحياناً هو الحل الأنسب حتى لا تكرههم أكثر. فما لا نفع في قربه، لا ضرر من فقده، فحضوره وغيابه متشابهان، فهناك قلوب للأسف تأخذ أجمل ما فيك، ولا تعطيك سوى أسوأ ما فيها، وأنت دائماً من يدفع ثمناً غالياً عن كل رخيص أدخلته إلى حياتك. هي مواقف، وبعض المواقف هي خريف العلاقات. حيث يتساقط منها المزيفون كأوراق الشجر. شيئان يغيران نظرتك للحياة: المرض، والغربة. لكن طالما بمقدورك إدارة ظهرك للعالم كله فأنت على ما يرام. والنصيحة الأولى والأخيرة: توقف عن زراعة الأزهار في حدائق أشخاص لن يقوموا بسقيها، ولا تندم إن فقدت أحدهم.
لعل الله استجاب يوماً لدعائك وأنت تناجيه: (أن يبعد عنك كل من أراد بكَ سوءا)، فإن هم طووا الصفحة، أحرق أنت الكتاب بكامله. وتأكد أنه طالما لديك عائلة تحبك، وعدد قليل من الأصدقاء أوفياء لك، وطعام متوفر متى جعت أكلت، وسقف فوق رأسك تلجأ إليه، فأنت أغنى مما تعتقد.
اكتشفت ولأول مرة وعبر هذا البرنامج، أن البقرة لم تعد حيواناً.. إنها آلة تستقبل الطعام، وتنتج لنا اللبن، وأن لديها خططها الإنتاجية، ولديها مديرها الآلي، الذي يعتبر عمله، مماثلاً تماماً لأي عمل آخر في الاقتصاد العام. وهو زيادة الإنتاج مع قلة التكلفة. إن (البقرة) تقوم بخدمتها بطريقة دقيقة وتامة، ولكن على حساب أنها لم تعد (بقرة).. هذه البقرة أشعرتني لأول مرة أنها (أنا) أو (أنا) هي، في لحظة ما..!
إحساس لا يمكن تصوره، لكنه إحساس يلازمني منذ تلقيت مكالمة من اثنين، رجل وسيدة يطلبان مني (فلوس)، تخيلوا التوقيت..! كان يتصل بي هو وهي، بداعي الاطمئنان عليّ، وتطورات حالتي الصحية، وكان جوابي الدائم: «أنا بخير»، أقولها للجميع.. أما الأحبة الحقيقيون فأعانقهم وأبكي. في الواقع أنا إنسان قليل الشكوى، فمن اعتاد التشكي، يُمرض نفسه، ويصبح مملاً لمن حوله. من يعرفونني جيداً يعرفون أنني من أولئك الذين يستبدلون التذمر، باستحضار النعم، فالله لا يبتليك بشيء إلا وهو خير لك..!
وإن شكوت للبشر على ماذا سينتهي الحوار؟ سينتهي غالباً بعبارة (الله يعينك)، فبالتالي اختصرتها من البداية وشكوت للذي يعينني، ولو تمكنت من رؤية قلوب البشر، لرأيت في كل قلب (قصة وجع). وأنا على يقين أن تعويضات الله مذهلة وتستحق الانتظار..! وحسن الظن بالله طمأنينة بحد ذاته.
اعتذرت بكل لطف للاثنين، فالاثنان ليسا من الفقراء، ولكن الفقير فعلاً ليس بالضرورة من ليس لديه مال.. فهناك فقير الأدب والأخلاق والقيم. ولقد فوجئت بما آلت إليه الأمور، نحن فعلاً نتوهم أحياناً أننا بقلوب أحدهم شيء كبير، ولكن يمر موقف بك، يجعلك تضحك على سخافة ظنك. أمطرني الاثنان بكلام موجع، وكأن لا شيء بي. ويعلم الله أن بي ألف شيء لا يقال. لكم هو مزعج، وقاتل، ومدمر لخلايا الإنسان أن يتعامل معك بعض البشر، على اعتبار أنك: (جزمة محشية فلوس)، حزنت على هذا العالم الذي تهاوى فيه كل شيء. دخلت إلى المنزل جلست من الإعياء على أقرب كرسي، أحسست أنني تجاوزت المليون عام بقليل. كان السكون والأسى يلف كل شيء، عدا (بنجي) أوفى الأصدقاء الذي كان يصر على أن يتمسح بحنان بالكرسي الذي أجلس عليه، يريد أن أحدثه، يريد أن أضع يدي فوق رقبته.. نظرت إلى عينيه العسليتين وتذكرت قول (أمي):
يا ولدي لا تفتح قلبك لكل الناس، فهناك أطفال يدقون الأبواب ومن ثم يهربون. وليتني استمعت إلى تلك الحكيمة، فبعض البشر كمسائل الرياضيات الحل طويل، والقيمة «صفر».
فثمة مشاعر كان يجب ألا تذهب إلى أحدهم، وثمة أحاديث، ليتها ما قيلت، وتضحيات ليتنا لم نقم بها، وأعذار ليتنا لم نلتمسها، فالانسحاب من حياة بعض البشر أحياناً هو الحل الأنسب حتى لا تكرههم أكثر. فما لا نفع في قربه، لا ضرر من فقده، فحضوره وغيابه متشابهان، فهناك قلوب للأسف تأخذ أجمل ما فيك، ولا تعطيك سوى أسوأ ما فيها، وأنت دائماً من يدفع ثمناً غالياً عن كل رخيص أدخلته إلى حياتك. هي مواقف، وبعض المواقف هي خريف العلاقات. حيث يتساقط منها المزيفون كأوراق الشجر. شيئان يغيران نظرتك للحياة: المرض، والغربة. لكن طالما بمقدورك إدارة ظهرك للعالم كله فأنت على ما يرام. والنصيحة الأولى والأخيرة: توقف عن زراعة الأزهار في حدائق أشخاص لن يقوموا بسقيها، ولا تندم إن فقدت أحدهم.
لعل الله استجاب يوماً لدعائك وأنت تناجيه: (أن يبعد عنك كل من أراد بكَ سوءا)، فإن هم طووا الصفحة، أحرق أنت الكتاب بكامله. وتأكد أنه طالما لديك عائلة تحبك، وعدد قليل من الأصدقاء أوفياء لك، وطعام متوفر متى جعت أكلت، وسقف فوق رأسك تلجأ إليه، فأنت أغنى مما تعتقد.