-A +A
أنمار مطاوع
الإنسان بطبيعته -في الحالات المزعجة التي تواجهه مع سلوكيات الآخرين- يرغب في: تغيير الآخر، أو على الأقل يتمنى أن يكون الآخر مختلفا.. حسب هواه. وتظل تلك الرغبات والأماني تسكنه وتجعل واقعه مؤلما وقلقا في انتظار تحقيقها.. وإن كانت صعبة المنال.

تغيير الذات أسهل كثيرا من تغيير الآخر.. بل قد تكون المعضلة أساسا في المفهوم الذاتي للفرد وليس في سلوكيات ومفاهيم الآخرين.


هذا بالضبط هو شرح مبسط لعلاقة تذمُّر الموظف من المدير، فكل موظف يرغب ويتمنى أن يكون مديره على هواه، وعندما لا يتحقق له ما يرغب، ينفصل تماما عن عقلية التعامل مع الواقع.. والمدير.. ويدخل في دوامة التذمُّر وعدم الرضا؛ وهذه فعلا معضلة، لأن فترات هذه العلاقات ليست قصيرة.. قد تستمر لسنوات متعددة؛ مما يعني أن التذمر والاستياء.. سيطول.

(التعامل مع المدير.. وفهمه) هو التعويذة الصحيحة التي تجعل المدير على هوى الموظف، مهما كان المدير ضعيفاً أو سلبياً أو عشوائياً أو قليل خبرة.. أو حتى غير كفء.. يظل باب التواصل مع المدير للوصول إلى نقاط مشتركة هو طريق تحقيق الأماني والرغبات. (اعرف مديرك.. حدد نوعه تماماً.. وبحيادية.. ثم تعرّف على طريقة التعامل معه من خلال المواقع المعتبرة على الإنترنت أو من خلال سؤال الموظفين العقلاء الذين تعاملوا معه سابقاً). هذه مهارة عالية الجودة، ولكنها لا تأتي إلا من خلال تنمية (الذكاء العاطفي).

منذ منتصف القرن الماضي، أصبح الذكاء العاطفي هو المفهوم الأكثر أهمية في الحياة العملية بشكل خاص، فهو يعني القدرة على معرفة المشاعر الحقيقية واستخدامها لإدارة التفكير والسلوك، ويساعد كثيرا في اختيار ردود الفعل المناسبة لكل موقف بقدره وحجمه.. وهو الطريق الأمثل -وربما الوحيد- لحل المشكلات اليومية، وإدارة الزملاء والمديرين، وصناعة التعاون في بيئة العمل بين كافة الأطراف.. والأهم: صناعة ذهنية السلام الداخلي للموظف. المشاعر هي ما يقود السلوك؛ سلباً أو إيجاباً، في معظم الأحيان.

يقول أحد خبراء الموارد البشرية بعد سنوات طويلة من الخبرة: «ما يجب أن يُنمِّيه الموظف -الجديد أو القديم- هو التمرس في الذكاء العاطفي. فهذا النوع من الذكاء بالنسبة للموظف أهم كثيراً من المعرفة والخبرة.. ويساعده كثيرا في القدرة على التعامل مع (المدير) بكل أنواعه.. بل وحتى التعامل مع تجاوزاته.. وقراراته العشوائية في بعض الأحيان».. «.. من خلال تجربتي الطويلة في الموارد البشرية ورؤية الكثير من الحالات الإدارية المختلفة، وجدت أن الموظف الأقل ذكاء عاطفياً هو: الأقل إبداعاً.. والأعلى تذمُّراً.. والأكثر زيارة لي».

تنمية الذكاء العاطفي ليس معضلة، هو فقط يحتاج إلى آليات بسيطة يفهمها الموظف ويضعها في الاعتبار.. ومع الوقت سينمو ذكاؤه العاطفي بشكل مذهل.. لكن يجب أن يأخذ الآليات بشكل جاد.

تبدأ الرحلة بصناعة مفهوم تقبُّل النقد أيا كان نوعه.. ثم التجاوب معه بعقلانية ومنطقية. هذا أولا. ثانيا: ممارسة مفهوم (تجاوز الخطأ الذاتي والتعامل معه كتجربة ترفع من درجة الوعي والخبرة).. وليس نقطة سوداء في التاريخ. والأهم في كل ذلك هو الاستماع الجيد للآخرين.. وخصوصاً للمدير.. الذي ليس على هواه.

الاستماع الجيد هو المدخل الشرعي للذكاء العاطفي؛ الاستماع يعني الخروج بمفهوم صحيح وفهم جيد لما يريده الآخر.. أو على أقل تقدير، معرفة المشاعر التي ينطلق منها خلال تعبيره وكلامه.

يضيف مدير الموارد البشرية كلمة أخيرة: «.. الذكاء العاطفي يساعد الموظف على معرفة بعض المديرين الذين لا يمكن التعامل معهم.. لعدم الخلط بينهم وبين الأنواع الأخرى التي يمكن التعامل معها؛ على سبيل المثال: المدير الفاسد أو المتنمِّر.. رغم أن هذه الأنواع قلة قليلة وفي طريقها للانقراض.. ولكنهم للأسف أحياء يرزقون في بعض مواقع العمل. التعرف على هذا النوع منهم.. بدقة.. يجعل البحث عن مخرج من تحت إدارتهم هو الحل الأمثل.. بلا أسف ولا ندامة». طبعا البحث عن أي مخرج.. باستثناء الاستقالة من العمل.

الذكاء العاطفي سيصنع مفهوماً جديداً للموظف.. يجعل العمل مكان متعة ذهنية.. ليس فقط مع المدير المباشر، بل حتى مع كافة الزملاء والعملاء.. ويجعل من التجارب السيئة سطوراً ذهبية تضاف لسيرته الذاتية.