-A +A
بشرى فيصل السباعي
كان كل المتخصصين والمفكرين يستخفون بنظريات المؤامرة وأصحابها حتى بدأت تنتج أحداثا سياسية خطيرة تسببت بوصول أشخاص بالغي الخطورة للسلطة بأنحاء العالم أوصلوا بلادهم للصدمات الأهلية الواسعة وحتى لحافة الحرب الأهلية وتسببوا بموجة عمليات إرهابية لأنهم ديماغوجيون-الديماغوجية هى: الخطاب المهيج للعصبيات/‏الشوفينية والانفعالات العدوانية لدى الجمهور تجاه من ليس من عصبتهم لكى يستغلها السيكوباتي صاحب الخطاب الديماغوجى/ ‏الشعوبي/‏ الغوغائي لمآربه ومكاسبه الخاصة على حساب عموم الناس؛ سواء من الفئة المستهدفة بالتحريض أو الفئة التي يتم تحريضها على حد سواء وإن كان يزعم أنها لصالح تحقيق اليوتوبيا الموعودة «جعل البلاد والأمة عظيمة»، ويكون هذا عبر اللعب على وتر إحباطات جمهوره وآمالهم وعصبياتهم وجهلهم ومخاوفهم وتملقهم عاطفيا بالمديح والإطراء «للأنا» الجماعية، الأمر الذى يشعرهم بنشوة الفوقية على من عداهم وتحقير كل من هو ليس من عصبتهم ومعادتهم، ولذا الديماغوجية هي المحرك للحروب والإرهاب والمظالم الجماعية أيّاً كان موضوع تحريضها. ثم جاء وباء كورونا وكان مما ضاعف في انتشاره واستعصاء محاصرته انتشار نظريات مؤامرة عنه تعتبره تمثيلية، عندها أدرك من كانوا يسخرون من نظريات المؤامرة أنها لم تعد موضوعا هامشيا للسخرية فهي باتت خطرا حقيقيا على جميع البشرية من كل وجه، والكل يتساءل كيف أنه في عصر العلم والمعلومات الموثقة يمكن أن تنتشر نظريات مؤامرة تطعن حتى بمصداقية الأطباء والعلماء وتعتبر كل ما يصدر عنهم مشكوكاً فيه، ووصل الأمر لتكذيب قطعيات مثل كروية الأرض ودورانها! وسبب رئيسي لهذا النكوص باتجاه التخلف وعداء العلم هو؛ انفصال فئة التكنوقراط/ ‏الخبراء/ ‏المتخصصين/ ‏الأكاديميين/ ‏العلماء/ ‏المفكرين عن بقية المجتمع وعيشهم بفقاعة وظائفهم وهم لا يلامون فمن شدة اتساع العلوم بات العالم يدرس حتى منتصف العمر لكي يبدأ حياته العملية ويعمل غالب اليوم ولا يبقى له وقت حتى لأهله؛ ولذا يصعب لومهم على تخليهم عن واجب ودور أساسي مفترض للعلماء وهو نقل علومهم إلى بقية المجتمع بلغة يفهمها الإنسان العادي، وهذا يحصل بشكل ممتاز في البرامج الوثائقية التي تعرضها القنوات المختصة بالوثائقيات ولا تعرضها القنوات الجماهيرية، وهذا غيب العلم عن عموم الناس، والعلاج؛ فرض عدد ساعات معين من بث الوثائقيات العلمية والفكرية بالقنوات الجماهيرية والدينية كما كان الحال بأمريكا، وعرض الوثائقيات بالمدارس والجامعات والفضائيات العامة لجعل مشاهدتها عادة، وتكثيف استضافة المتخصصين والمفكرين بوسائل الإعلام والصحافة بدل مشاهير التفاهة مروجي نظريات المؤامرة والخرافات والديماغوجية، وتشجيع المتقاعدين منهم ليقوموا بدور حلقة الوصل بين العلم والمجتمعات عبر مواقع التواصل، واستلهام نموذج الدكتور «مصطفى محمود» في مسجده بنشر العلوم والوعي عبر دروس للمتخصصين بكل التخصصات في المسجد والذي الحق به متحفا علميا ومرصدا فلكيا ومركزا طبيا ومطبخا خيريا، فكم سيكون مفيدا درس بالمسجد لطبيب نفسي متخصص بالعلاقات الزوجية أو طبيب مختص بالمشاكل السلوكية للأطفال لتقديم النصائح العلمية بدل همجية العنف الأسري.