-A +A
محمد مفتي
المتتبع للوضع الداخلي الإيراني لن يجد أدنى صعوبة في استيضاح الحالة الكارثية والواقع المأزوم الذي تعاني منه الدولة، وما بين توقع يكاد يصل لحد اليقين وترقب يبلغ حد الرهبة ينتظر العالم انفجار الأوضاع داخل الأراضي الإيرانية ما بين يوم وآخر، وقد غدا الشارع الإيراني في أقصى حالات التذمر يكاد يوشك على قلب الأمور رأساً على عقب بعد أن نفد صبره تماماً، واستنفد النظام قدرته بالكامل على امتصاص غضبه أو حتى تهدئة ثائرته.

الحصار المفروض ضد الدولة تمكّن من عزلها وهدر مواردها وانكماش دخلها بصورة مأساوية، وبالرغم من ذلك فإن ملالي إيران كعادتهم لم يتخلوا قط عن سياستهم الهوجاء، سواء في ما يتعلق بدعم مليشيا المرتزقة في دول الجوار بهدف مساعدتهم على معارضة حكوماتهم الشرعية، أو في ما يتعلق بتوجيه كافة الموارد الشحيحة من الأساس لخدمة برنامجها النووي، ضاربين بعرض الحائط احتياجات الشعب الأساسية ومتطلباته المشروعة.


تعاني إيران من انهيار المنظومة الصحية والتعليمية والخدمية، ويضرب الفقر في جنباتها مما يزيد من معدلات الرفض الشعبي والاستياء والتذمر، حتى النظام السياسي نفسه والذي يسعى جاهداً دون جدوى للحفاظ على تماسكه الظاهري بات يعاني من انفجارات وحرائق متتالية هنا وهناك، وحوادث اغتيال متكررة للرموز السياسية والعسكرية، وهو ما أظهر ضعفه وهشاشته وعدم قدرته على الصمود والمقاومة.

من الملاحظ أن التماسك بين جنبات النظام الإيراني بدأ في التفكك هو أيضاً، فغدا الأمر كما لو أن النظام يرتعد ولم يعد يقوى على حمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه، وهو ما يتضح بصورة ملموسة في التخبط وعدد الإخفاقات التي يحظى بها النظام، وهو ما يدفعه دفعاً لمزيد من التركيز على البعد الخارجي ليخفي من خلاله فشله وإخفاقاته الداخلية، ويتظاهر بإحراز إنجازات خارجية يمتص من خلالها الغضب الشعبي المكبوت والمتزايد، فكلما تعثرت الأوضاع الداخلية أكثر كلما ازدادت عدوانية النظام الخارجية أكثر.

على الرغم من الإخفاقات البارزة التي تسبب فيها فشل النظام سياسياً وإدارياً، وتسببت بدورها في ارتفاع معدلات الغضب الشعبي العارمة، إلا أنه شرع -على نحو متوازي- في تكوين مليشيات تكاد تكون مكافئة للجيوش النظامية في كل بلد تمكن من التغلغل فيه، وهذه المليشيات لها وظيفتان: الأولى تفكيك تماسك نسيج الدول التي تعبث بها وتقويض أركانها الداخلية من جهة، وتثبيت أقدام النظام الإيراني وزيادة نفوذه على النحو الذي يتيح له التدخل بحرية في شؤونها الداخلية من جهة ثانية، بحيث تكون لها المرجعية والكلمة الأخيرة في تحديد حاضرها ومستقبلها.

تغدق إيران على تلك المليشيا بالأموال والعتاد والتدريب وتمدهم بأحدث التقنيات العسكرية، وقد بلغ بها الأمر حد الجرأة والوقاحة إلى تنظيمها عروض واستعراضات عسكرية لتلك الجيوش الموازية، والتي لا تزيد في حقيقتها على كونها مجموعة من المرتزقة الذين يتعيشون على خوض الحروب واستلاب خيرات وموارد الدول التي يجتاحونها، لا يحكمهم ولاء ولا يقودهم انتماء، إنما هم عصابات مدججة بالسلاح وخارجة عن القانون ولا يهمها سوى استمرار الحروب لأنها مورد رزقها، مثل الحشد الشعبي في العراق، والحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان.

لا يستطيع النظام الإيراني أن يحيا دون تلك المليشيا المارقة؛ فهي أحد دعائم حكمه المهمة متعددة المهام على المستويين الداخلي والخارجي، غير أنه من الملاحظ أن إيران قامت بدمج عدد من المليشيات الضعيفة المتناثرة في العراق والموالية لها ونظمتها في شكل مليشيا موحدة متماسكة، تعمل بمثابة جيش نظامي خارج حدودها، جيش مؤلف من العراقيين ولكنه في واقع الأمر إيراني الهوى والهوية، «وبصفة شخصية» لا أستبعد إطلاقاً قيام إيران مستقبلاً بدمج مليشيا الحشد الشعبي في الجيش العراقي النظامي، ثم توقيع تحالف بين البلدين، تضمن من خلاله إيران خدمة أجندتها في المنطقة وتحقيق كافة طموحاتها ولكن هذه المرة بأيدٍ عراقية.

لا أستبعد أيضاً اعتداء مليشيا الحشد الشعبي على دول الخليج وعلى أمنه ولكن بنكهة إيرانية، وهو ما قد يعني أن صراعنا مستقبلاً سيكون مع العراق اسماً ومع إيران ووراء الكواليس فعلاً، وقد تستخدم إيران هذه المليشيات لدعم أركان نظامها الهش فيما لو بدأ بالتداعي، على غرار النظام الليبي القذافي؛ حيث قام الأخير بتجنيد مليشيات موالية له خارج حدود بلاده من مرتزقة بعض الدول الأفريقية، وما إن اندلعت شرارة المظاهرات في ليبيا مؤذنة ببداية سقوط النظام حتى فتح القذافي حدود بلاده أمام تلك المليشيا لتتدفق داخل الحدود الليبية وتنتشر داخل البلد ناشرة الخراب والفوضى.

تلك المليشيا لا تحمي الدولة ولا الشعب بطبيعة الحال، وإنما تتدخل لحماية النظام، وفي حالة اندلاع أي حرب مستقبلية ستكون تلك المليشيا المأجورة وقودها، وهذا الوضع ينذر بالقلق، فمرتزقة الحروب شوكة في خاصرة العلاقات بين الدول ووقود أزمة مرشحة للانفجار طوال الوقت، ومليشيا الحشد الشعبي لا تقل خطورتها عن خطورة الحوثي، ولكن الخطر هنا قد يأتي من الشمال بينما خطر الحوثي يداهمنا من الجنوب، وأعتقد أنه قد آن الأوان لدول الخليج أن تتخذ خطوات سبّاقة لوقف التمدد الإيراني، حتى لا نتفاجأ بمرتزقة من الشمال يعملون في خدمة هدف واحد، وهو تحقيق مطامع وأحلام وبنود أجندة النظام الإيراني.