منذ سقوط حكم كسرى في زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجهود الفرس لم تتوقف لإعادة العراق لإمبراطوريتهم الغابرة، ورغم تغير الأزمنة وتعاقب الأحداث إلا أن العراق لم يغب عن مخيلة الدولة الفارسية «والتي تغير اسمها لإيران في العام 1935»، ولو عدنا بذاكرتنا قليلاً للوراء فسنجد أن التاريخ الإسلامي يذخر بعدد لا حصر له من الوقائع التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك مدى أهمية العراق.
عندما تولى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور شؤون الخلافة الإسلامية في بداية عصر الدولة العباسية، كان يدرك بوضوح أهمية العراق الجيوسياسية، وعلى الرغم من التمدد الشاسع التي كانت تشهده الدولة الإسلامية آنذاك والتي وصلت حدودها في أقصى الغرب إلى المحيط الأطلسي، إلا أنه اختار أحد المواقع المميزة بالعراق، وقرر بناء مدينة تكون قريبة من البوابة الشرقية للمسلمين لتكون عاصمة لدولته وهي «بغداد حالياً»، غير أنه لم يكتف ببنائها بل أمر بتحصينها من كافة جهاتها لتغدو مركز اتخاذ القرار السياسي، والقلعة المنيعة المحصنة في نفس الوقت ضد غدر ومؤامرات الفرس.
لعله من الصعوبة بمكان تتبع التاريخ السياسي الطويل لبلد عريق مثل العراق خلال هذا الحيز المحدود، لذلك لن أتوقف طويلاً عند التاريخ السياسي القديم، وسأحلّق عالياً وسريعاً في فضاء الزمن متجاوزاً العديد من الحقب الزمنية التي مر بها العراق لأتوقف عند بعض المحطات المهمة في تاريخه الحديث، والتي تبدأ من سبعينات القرن الماضي، وهنا سنكتشف أن إحدى المآسي التي ألمّت بهذا البلد هي سياسات حكومة صدام حسين أو «حكومة القرية كما سماها المؤرخ طالب الحسن»، والتي كانت سبباً مباشراً في نكساته المتعددة وتدهور أوضاع شعبه على جميع المستويات، غير أن تلك الأحداث غدت من الماضي الآن ولن يفيدنا كثيراً الندم حيالها أو البكاء على اللبن المسكوب، فما يحاك الآن ضد العراق يغنينا عن الخوض في الماضي، ويوجهنا للاهتمام بحاضر ومستقبل تلك الدولة العظيمة.
لقد لاحظ صدام حسين (نائب الرئيس وقتئذٍ) أن الخميني -الذي كان مقيماً بالنجف- يحرّض شيعة العراق ضد النظام العراقي، وفي نفس الوقت يقوم بتوجيههم للتعدي على سيادة إيران بهدف إزاحة حكم الشاه، الأمر الذي دفع الشاه في المقابل لدعم الأكراد ضد النظام العراقي كوسيلة للضغط عليه لتسليم الخميني أو نفيه خارج العراق، مما دفع صدام حسين لركله خارج العراق حيث توجه إلى منفاه الفرنسي.
بعد عام وبعد سقوط نظام الشاه عاد الخميني لإيران حاكماً، وعقب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بفترة قصيرة أعلن العراق أن الضربات العراقية حققت أهدافها، وتمكنت من إبعاد فلول جيش الخميني عن حدود العراق، لذلك فإن العراق يقبل وقف إطلاق النار، غير أن الخميني كان له موقف مختلف، فقد أمر قواته بضرب أهداف في العمق العراقي، ورفض قرار وقف إطلاق النار رغم أن جميع مستشاريه نصحوه بذلك، لم يوافق الخميني على إنهاء الحرب لأنه كان طامعاً في الإتيان بحكومة عراقية جديدة موالية له، وقد اشترط ذلك بشكل مباشر في إشارة لا تخطئها عين خبير، تدل بشكل سافر على رغبة إيران المتقدة في التحكم في العراق.
عندما أعلن الرئيس بوش الابن عن نيته بالإطاحة بنظام صدام حسين قبل عقدين استقبلت إيران عشرات الهاربين العراقيين من المواليين لها، وسعت لتهريبهم داخل الحدود العراقية، وعند سقوط بغداد انتشرت الفوضى في كل مكان، وقام عدد من أزلام إيران باحتلال بعض المقار الأمنية المهمة كجهاز المخابرات والشرطة، والاستيلاء على كافة الملفات الأمنية المهمة وتسريبها لإيران.
لقد تم استغلال كل ما في تلك الملفات لإدانة صدام وإعدامه، وبدأت الفوضى العارمة تضرب بجذورها في قلب العراق في ظل استهتار أمريكي وعربي، وقد ازدادت الأمور سوءاً عقب فوضى ثورات الدمار العربي؛ حيث انشغلت كل دولة بنفسها وازداد الإهمال العربي للعراق، الأمر الذي سمح بمزيد من التغلغل الإيراني داخل نسيجها، ومن المؤكد أن السيطرة الإيرانية على العراق وخيراته ومقدراته لن تكتمل إلا بعد اكتمال احتلالها للعراق عقائدياً، وتحويل كافة الأيديولوجيات إلى مثيلاتها المتناغمة مع أصلها الخميني.
الخطورة الحقيقية للتغلغل الإيراني في العراق هو السعي الممنهج الهادف إلى مسخ الهوية العربية السنية وطمسها ومحو ملامحها واستبدالها بأخرى شيعية ولكن بنكهة خمينية، ولعل الأخطر هو السعي الإيراني المحموم لإعادة تكوين وتغيير تركيبة المجتمع العراقي والاستحواذ على مقدراته، ومن الملاحظ أن العراقيين السنة ليسوا فقط هم المستهدفون، بل إن الشيعة غير الموالين لإيران مستهدفون أيضاً، فإيران لا تهدف لاحتلال العراق فحسب، بل تهدف لتحويل المجتمع العراقي لمجتمع يدين بالكامل للعقيدة الخمينية، وينتمي قلباً وقالباً لإيران الطائفية الطامحة في استعادة إمبراطوريتها الغابرة.
الوضع العراقي المقلق لا يتطلب إعادة اهتمام الدول العربية بالعراق في إطار علاقات دبلوماسية فحسب، بل يحتاج لإعادة هندسة سياسات العرب وعلى الأخص دول الخليج العربي حياله، على نحو يحول دون التدخل الإيراني السافر في شؤونه، وبطريقة تدرك من خلالها إيران أن العرب في حالة وعي كامل بمؤامرتها المكشوفة، وعلى استعداد تام لإجهاض مشروعها في مهده قبل أن يعود كسرى للحياة مرة أخرى.
عندما تولى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور شؤون الخلافة الإسلامية في بداية عصر الدولة العباسية، كان يدرك بوضوح أهمية العراق الجيوسياسية، وعلى الرغم من التمدد الشاسع التي كانت تشهده الدولة الإسلامية آنذاك والتي وصلت حدودها في أقصى الغرب إلى المحيط الأطلسي، إلا أنه اختار أحد المواقع المميزة بالعراق، وقرر بناء مدينة تكون قريبة من البوابة الشرقية للمسلمين لتكون عاصمة لدولته وهي «بغداد حالياً»، غير أنه لم يكتف ببنائها بل أمر بتحصينها من كافة جهاتها لتغدو مركز اتخاذ القرار السياسي، والقلعة المنيعة المحصنة في نفس الوقت ضد غدر ومؤامرات الفرس.
لعله من الصعوبة بمكان تتبع التاريخ السياسي الطويل لبلد عريق مثل العراق خلال هذا الحيز المحدود، لذلك لن أتوقف طويلاً عند التاريخ السياسي القديم، وسأحلّق عالياً وسريعاً في فضاء الزمن متجاوزاً العديد من الحقب الزمنية التي مر بها العراق لأتوقف عند بعض المحطات المهمة في تاريخه الحديث، والتي تبدأ من سبعينات القرن الماضي، وهنا سنكتشف أن إحدى المآسي التي ألمّت بهذا البلد هي سياسات حكومة صدام حسين أو «حكومة القرية كما سماها المؤرخ طالب الحسن»، والتي كانت سبباً مباشراً في نكساته المتعددة وتدهور أوضاع شعبه على جميع المستويات، غير أن تلك الأحداث غدت من الماضي الآن ولن يفيدنا كثيراً الندم حيالها أو البكاء على اللبن المسكوب، فما يحاك الآن ضد العراق يغنينا عن الخوض في الماضي، ويوجهنا للاهتمام بحاضر ومستقبل تلك الدولة العظيمة.
لقد لاحظ صدام حسين (نائب الرئيس وقتئذٍ) أن الخميني -الذي كان مقيماً بالنجف- يحرّض شيعة العراق ضد النظام العراقي، وفي نفس الوقت يقوم بتوجيههم للتعدي على سيادة إيران بهدف إزاحة حكم الشاه، الأمر الذي دفع الشاه في المقابل لدعم الأكراد ضد النظام العراقي كوسيلة للضغط عليه لتسليم الخميني أو نفيه خارج العراق، مما دفع صدام حسين لركله خارج العراق حيث توجه إلى منفاه الفرنسي.
بعد عام وبعد سقوط نظام الشاه عاد الخميني لإيران حاكماً، وعقب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بفترة قصيرة أعلن العراق أن الضربات العراقية حققت أهدافها، وتمكنت من إبعاد فلول جيش الخميني عن حدود العراق، لذلك فإن العراق يقبل وقف إطلاق النار، غير أن الخميني كان له موقف مختلف، فقد أمر قواته بضرب أهداف في العمق العراقي، ورفض قرار وقف إطلاق النار رغم أن جميع مستشاريه نصحوه بذلك، لم يوافق الخميني على إنهاء الحرب لأنه كان طامعاً في الإتيان بحكومة عراقية جديدة موالية له، وقد اشترط ذلك بشكل مباشر في إشارة لا تخطئها عين خبير، تدل بشكل سافر على رغبة إيران المتقدة في التحكم في العراق.
عندما أعلن الرئيس بوش الابن عن نيته بالإطاحة بنظام صدام حسين قبل عقدين استقبلت إيران عشرات الهاربين العراقيين من المواليين لها، وسعت لتهريبهم داخل الحدود العراقية، وعند سقوط بغداد انتشرت الفوضى في كل مكان، وقام عدد من أزلام إيران باحتلال بعض المقار الأمنية المهمة كجهاز المخابرات والشرطة، والاستيلاء على كافة الملفات الأمنية المهمة وتسريبها لإيران.
لقد تم استغلال كل ما في تلك الملفات لإدانة صدام وإعدامه، وبدأت الفوضى العارمة تضرب بجذورها في قلب العراق في ظل استهتار أمريكي وعربي، وقد ازدادت الأمور سوءاً عقب فوضى ثورات الدمار العربي؛ حيث انشغلت كل دولة بنفسها وازداد الإهمال العربي للعراق، الأمر الذي سمح بمزيد من التغلغل الإيراني داخل نسيجها، ومن المؤكد أن السيطرة الإيرانية على العراق وخيراته ومقدراته لن تكتمل إلا بعد اكتمال احتلالها للعراق عقائدياً، وتحويل كافة الأيديولوجيات إلى مثيلاتها المتناغمة مع أصلها الخميني.
الخطورة الحقيقية للتغلغل الإيراني في العراق هو السعي الممنهج الهادف إلى مسخ الهوية العربية السنية وطمسها ومحو ملامحها واستبدالها بأخرى شيعية ولكن بنكهة خمينية، ولعل الأخطر هو السعي الإيراني المحموم لإعادة تكوين وتغيير تركيبة المجتمع العراقي والاستحواذ على مقدراته، ومن الملاحظ أن العراقيين السنة ليسوا فقط هم المستهدفون، بل إن الشيعة غير الموالين لإيران مستهدفون أيضاً، فإيران لا تهدف لاحتلال العراق فحسب، بل تهدف لتحويل المجتمع العراقي لمجتمع يدين بالكامل للعقيدة الخمينية، وينتمي قلباً وقالباً لإيران الطائفية الطامحة في استعادة إمبراطوريتها الغابرة.
الوضع العراقي المقلق لا يتطلب إعادة اهتمام الدول العربية بالعراق في إطار علاقات دبلوماسية فحسب، بل يحتاج لإعادة هندسة سياسات العرب وعلى الأخص دول الخليج العربي حياله، على نحو يحول دون التدخل الإيراني السافر في شؤونه، وبطريقة تدرك من خلالها إيران أن العرب في حالة وعي كامل بمؤامرتها المكشوفة، وعلى استعداد تام لإجهاض مشروعها في مهده قبل أن يعود كسرى للحياة مرة أخرى.