-A +A
أنمار مطاوع
القَرِيب هو اسم من أسماء الله الحسنى التي وردت في القرآن والسنة. والقُرب في اللغة نقيض البُعد والجَفاء، وقَرُب الشيء أي دنا.

القرب في حق الله -كما يقول العلماء- نوعان: قرب عام من كل عبيده: بعلمه ومراقبته وإحاطته (.. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، وقرب خاص من عابديه وسائليه ومحبيه (.. وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ). الإيمان باسم الله القَرِيب يقتضي الاعتقاد بألطافه وتوفيقه وإجابته للدعوات.. قرب لا تُدرك حقيقته، ولكن تُرى آثاره من لطف وتدبير وتوفيق وتأييد للعبد.. وإجابة لدعائه. وقد أثنى الله على زكريا (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) لإيمانه بهذا القُرب.


معرفة اسم القَرِيب والإيمان به.. هو توحيد لله الواحد الأحد.. فمن آمن بالقريب غمره شعور بالوحدانية لله.. بأنه المتفرد في ذاته وصفاته وأفعاله.. واحد لا يتفرّق ولا يتجزأ.. لا شبيه له.. على الوجه اللائق بجلاله. وأحَدٌ متفرد بكل مجد وجلال وحكمة.. متفرد بالربوبية والألوهية.

الإيمان باسم القَرِيب مُريح لقلب العبد.. فهو يغنيه عن أي وساطة بينه وبين ربّه.. فالدعاء والتضرّع والمناجاة ليس بينها وبين الله إلا الإفصاح.. النفس يملأها الغمّ والهمّ والأسى.. والرّب قريب.

إذا آمن العبد باسم الله القَرِيب فإنه يخجل من المعصية.. وإن عصى استغفر.. فهو يعرف أن الغفور قريب؛ ويعرف قطعاً أن الله سبحانه وتعالى حليم.. فالعبد يرتكب المعاصي ويخالف أوامره.. وهو قريب.. يغفر ويعفو. وأصل المغفرة التغطية والستر.. فهو يُظهر الجميل ويستر القبيح (.. وكل شيء سترته فقد غفرته).. والغفران هو التجاوز عن عقوبته في الآخرة.. فمن كرمه أنه يغفر ويعفو مرة بعد مرة إلى ما لا يُحصى (.. إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ..)؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطانَ قال: وعزِّتِكَ يا ربِّ، لا أَبرَحُ أُغوي عِبادَكَ ما دامتْ أَرْواحُهم في أَجْسادِهم، قال الرَّبُّ: وعزَّتي وجَلالي، لا أَزالُ أَغفِرُ لهم ما استَغْفَروني). ومن أرجى أحاديث السنة (.. يا ابنَ آدمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً). يغفر ويعفو؛ والعفو هو المحو.. أي أبلغ من الستر. بل من فائض كرمه سبحانه أنه يُنسي المعصية من قلب العبد يوم القيامة كيلا يخجل عند تذكرها وهو بين يديه جل جلاله.. ويثبت مكان كل سيئة حسنة. مجرد معرفة أن هذا الرحمن الرحيم.. قريب.. كفيلة ببعث التفاؤل في نفس المؤمن.

من يعي اسم الله القَرِيب يلين جانبه للخلق ويرتدي حلّة التواضع معهم.. لن يمشي في الأرض مشي الجبارين: بكِبر وخيلاء وفخر وإعجاب بالنفس (.. إنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) فالخالق الجبّار -بجلاله- قريب منه.

من يؤمن باسم الله القَرِيب.. يسكُنه الشعور بالأمن والطمأنينة والثقة.. فهو في معيّة الخالق.. في معيّة الصاحب في الحل والتّرحال.. في معيّة أكرم الأكرمين.