-A +A
نجيب يماني
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام وقد فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام لمدة عشر سنوات، فكان يذبح بعد صلاة الفجر والعيد لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس له من النسك في شيء».

وقد روى جابر أنه شهد مع النبي عليه الصلاة والسلام الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل عن منبره فأتى بكبش فذبحه بيده وقال «بسم الله والله أكبر هذا عني وعن من لم يضحِّ من أمتي»، وقد ذبح أبو برده قبل الصلاة فقال له النبي عليه الصلاة والسلام «أبدلها» رواه البخاري.


والأضحية عرفها الفقهاء بأنها اسم لما يذكى من النعم بنية القربى إلى الله سبحانه وتعالى، وهي سنة مؤكدة، والسنة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، فهي إذن ليست بواجبة فلو كانت واجبة لأنكر على من لم يضحِّ مع قدرته عليها. فقد روى الشعبي عن أبي شريحه الغفاري قال أدركت أبا بكر وعمر لا يضحيان السنة والسنتين كراهية أن يقتدى بهما وهما لا يتركان واجباً، فدل فعلهما على عدم وجوب الأضحية وفي مصنف عبدالرزاق عن أبي مسعود الأنصاري قوله إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى أحد جيراني أنه حتم علي. وقد فسر ابن حزم قوله تعالى «فصل لربك وانحر» بقوله تفسير النحر في الآية بالأضحية قول على الله تعالى بغير علم فقد فسر علي وابن العباس وغيرهما أن النحر في الآية يقصد به وضع اليد عند النحر في الصلاة ولعله نحر البدن فيما وجبت فيه وما نعلم أحداً قبلهم قال إنها الأضاحي.

كما ثبت أن بعض صحابة رسول الله كانوا لا يضحون مع يسارهم وقدرتهم على التضحية ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

واليوم جعل الناس الأضحية من الواجبات في سباق محموم لفعلها مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأضاحي والمبالغة فيها، وبالتالي إلى ارتفاع أجور الجزارين وما يحدث من تضارب وتدافع وتراكم اللحوم حتى تفسد غير من يصر على الذبح في منزلة ويرمى ببقايا الأضحية في الشوارع وبجوار الحاويات المفتوحة في مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين خاصة ونحن في زمن يجب فيه علينا الحيطة والحذر لظروف كورونا المستبد.

فلابد أن نعيد النظر في الكثير من عاداتنا وتقاليدنا ونغيرها من أنفسنا فقد تعدينا بالأضحية من كونها سنة إلى جعلها واجباً وفرضاً على كل بيت وأسرة وكأنها مناظرة وتحدٍّ «ومين فينا يذبح اكثر»!

وهناك شروط للمضحي منها أن يكون مسلماً له تمام الملك على ما يضحى به، وأن يكون مستطيعاً قادراً على ثمنها بالغاً عاقلاً رشيداً مقيماً فلا تشرع في حق المسافر.

جعل الإسلام في الأمر سعة وبحبوحة فيحق أن يضحي الإنسان حتى آخر ذي الحجة لحديث سهل بن حنيف كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة ذكرها أبو داود في مراسيله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك أو إلى هلال المحرم. وفي هذا تخفيف على الناس ورحمة بهم بدل ما يحدث في أسوق النعم في اليوم العاشر من ذي الحجة من كل عام. كما يجوز إطعام فقراء أهل الذمة من لحوم الأضاحي.

يقوم البعض إذا أراد أن يضحي بإطلاق لحيته وعدم قص أظافره اعتقاداً منه أن ما يفعله من تمام الأضحية وقبولها، وهذا خطأ فلا علاقة لهذا الفعل بالأضحية. فالأضحية سنة والتشبه بالمُحرِم شيء آخر، تقول عائشة كنت أفتل قلائد هدى رسول الله بيدي ثم يبعث بها وما يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه، وفي هذا دلالة أنه لا حرمة ولا كراهة في الحلق أو قلم الأظافر في حق مريد الأضحية. ويعلق الشافعي بقوله البعث بالهدى أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك، ويقول أبو حنيفة أن المضحي لا يحرم عليه الوطء ولا اللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظافر. هذا هو دينكم بسعته ورحمته فلا تضيقوا على أنفسكم سعته. كل أضحى والجميع في خير وعافية في وطن المحبة والخير.