أدافع خواطر نفسي دفعاً شديداً لتجنّب مزالق الارتهان لنظرية المؤامرة في تفسير قرار انسحاب القوّات الأمريكية من أفغانستان، وشروعها في تنفيذ هذا القرار على وجه السّرعة، في الوقت الذي تنشط فيه حركة طالبان ميدانياً، وتواصل زحفها نحو المدن الكبيرة في انتصارات عسكرية متتالية، في ظلّ عجز الآلة العسكرية الأفغانية عن دحرها، أو كبح لجامها الفالت، دون أن تكون هناك ردة فعل من قبل القوات الأمريكية، يتساوق «أخلاقياً» مع الدوافع والمبرّرات التي خاضت بها هذه الحرب، والمتمثلة في القضاء على الإرهاب، وتقليم أظفار جماعات الإسلام السياسي؛ ممثلة في حركة طالبان، بما يشيع الأمن والسلام العالمي، ويكبح جماح التطرّف والغلو..
فخلافاً لهذا التوقع المنطقي؛ واصلت القوات الأمريكية انسحابها غير المنطقي، مخلّفة وراءها وضعاً سيتجاوز أثره الكارثي، حتماً، دولة أفغانستان بحدودها الجغرافية المحدودة، إلى دول الإقليم قاطبة، وربما أبعد من ذلك، قياساً على أدبيات هذه الجماعات المتطرفة، وأجنداتها التي لا تخفى على أحد..
فمن غير المستغرب أن تشهد المنطقة عودة الهوس العصابي القديم، ولو على مستوى الخلايا السرية والنائمة، وحركة استقطاب الشباب من المحيط الإقليمي لداعي دولة «الخلافة الإسلامية»، وكلّ مظاهر الفوضى القديمة التي كابدنا ردحاً من الزمن لكي نداوي جراحها، ونرتق الفتق الاجتماعي المهول الذي أحدثته، والشّروخ النفسية العميقة التي خلّفتها.. ولا أظن أنّ الإدارة الأمريكية الحالية من ضعف التقدير، وقصر النظر بحيث لا تتوقع هذا الأمر البدهي الذي نشير إليه..
والحال هكذا؛ فإنّ علامات الاستفهام تتعالى في وجه الإدارة الأمريكية، باحثة عن سبب منطقي لهذا الانسحاب، ولماذا لم تحسم أمر هذه «الحركة» في الوقت الذي حدّدته بما تملكه من آليات عسكرية متفوقة، وقدرة تقنية عالية، في مقابل الطرف الآخر، الذي -نظرياً- ليست له القدرة العسكرية الداعمة، ولا سبيل لوصول السلاح إليه إلا عبر عمليات التهريب وتجّار السلاح، وهي عملية ليس بالعسير ضبطها ومراقبتها ومحاسبة الجهات المتورطة فيها..!!
وتمتد علامات الاستفهام باحثة عمّا تحقّق لأمريكا من الشّعارات البراقة التي دخلت بها الحرب بداية، وما هي الخطط البديلة التي وضعتها تلافياً لأي أخطار محتملة من هذا الانسحاب، وهي العليمة بأنّ القوات الأفغانية الحكومية لا تملك أسباب القوّة الكافية من أجل حسم عسكري باتر، يضعها في ميزان الترجيح بسلطة القانون لفرض هيبتها وقدرتها على إدارة البلاد، بما يطفئ بؤر الفتن، ويخمد نيران التشظّي..
كلّ هذه الاستفهامات المنطقية تتقولب إلى حيرة مدهشة في ظلّ المشهد السريالي الذي أوجدته القوّات الأمريكية على أرض الواقع في أفغانستان بإنجازها لـ«نصف حرب» طوال هذه السنوات العشرين الماضية، والانتهاء إلى «الاعتراف» بطالبان كجزء رئيس من معادلة السّلام، والدعوة إلى تغليب أسلوب الحوار وصولاً إلى توافق يحقّق مصالح الأطراف المتصارعة في السّاحة الأفغانية، بما يعني بداهة «هزيمة» الشّعارات الأمريكية الأولى، و«انتصاراً» لحركة طالبان في فرض أجندتها ووجودها على المستويين العسكري والدبلوماسي، وهو ما يبدو سائداً ومشاهداً اليوم، ووشيكاً ستفرض «الجماعة» سطوتها على كامل البلاد، لتنتقل العدوى منها إلى ما جاورها من دول الإقليم، بنذر فوضى لن تبقي ولن تذر..
إنّ هذا المشهد السريالي الذي نشهده في أفغانستان اليوم، يكاد يتطابق مع المشهد في العراق، بعد حرب شنّت بذات الشعارات البراقة، وانتهت إلى حالة انقسام حاد، استفاد منها أصحاب المشروع «الصفوي»، فأوشكوا على وضع «بغداد» تحت وصاية الحلم الفارسي في «قم»؛ لولا التحرك السعودي الباصر والحكيم وفي الوقت المناسب، لإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي في الحضن العربي.. كما أنه ليس ما يحصل في سوريا اليوم ببعيد عمّا انتهى إليه الحال في أفغانستان، بوجه من وجوه الاعتراف العلني بسلطة «الأسد»، من قبل الإدارة الأمريكية، واعتباره جزءاً من الحل المقبل، وليس سبباً في الأزمة السورية في جوهرها.. ولن ننسى كذلك الاعتراف الأمريكي بمليشيا الحوثي الإرهابية في خضم الأزمة اليمنية، واعتبرها من عناصر الحل، وليست من مهيّجات الصّراع والفتنة.. كلّ هذه المواقف الأمريكية وغيرها، تصبّ في مصلحة هذه الجماعات الإرهابية، والكيانات الرادكالية، والتكوينات المتطرفة، فوضعها في قوائم المشاركين في الحل لا يعدو أن يكون تلبيساً للحقيقة الجلية، وزرعاً لألغام قابلة للانفجار في أيّ وقت، والمحصلة حالة من الفوضى المتأرجحة بين اللاسلم واللاحرب، تهيئ السّاحة لحالة من الابتزاز المستمر، وسوقاً مفتوحاً لبيع السلاح لكافة الأطراف المتناحرة، بما يملأ جيوب تجّار الحروب ويزيد أرصدتهم من تجارة المعاناة والدمار.
فخلافاً لهذا التوقع المنطقي؛ واصلت القوات الأمريكية انسحابها غير المنطقي، مخلّفة وراءها وضعاً سيتجاوز أثره الكارثي، حتماً، دولة أفغانستان بحدودها الجغرافية المحدودة، إلى دول الإقليم قاطبة، وربما أبعد من ذلك، قياساً على أدبيات هذه الجماعات المتطرفة، وأجنداتها التي لا تخفى على أحد..
فمن غير المستغرب أن تشهد المنطقة عودة الهوس العصابي القديم، ولو على مستوى الخلايا السرية والنائمة، وحركة استقطاب الشباب من المحيط الإقليمي لداعي دولة «الخلافة الإسلامية»، وكلّ مظاهر الفوضى القديمة التي كابدنا ردحاً من الزمن لكي نداوي جراحها، ونرتق الفتق الاجتماعي المهول الذي أحدثته، والشّروخ النفسية العميقة التي خلّفتها.. ولا أظن أنّ الإدارة الأمريكية الحالية من ضعف التقدير، وقصر النظر بحيث لا تتوقع هذا الأمر البدهي الذي نشير إليه..
والحال هكذا؛ فإنّ علامات الاستفهام تتعالى في وجه الإدارة الأمريكية، باحثة عن سبب منطقي لهذا الانسحاب، ولماذا لم تحسم أمر هذه «الحركة» في الوقت الذي حدّدته بما تملكه من آليات عسكرية متفوقة، وقدرة تقنية عالية، في مقابل الطرف الآخر، الذي -نظرياً- ليست له القدرة العسكرية الداعمة، ولا سبيل لوصول السلاح إليه إلا عبر عمليات التهريب وتجّار السلاح، وهي عملية ليس بالعسير ضبطها ومراقبتها ومحاسبة الجهات المتورطة فيها..!!
وتمتد علامات الاستفهام باحثة عمّا تحقّق لأمريكا من الشّعارات البراقة التي دخلت بها الحرب بداية، وما هي الخطط البديلة التي وضعتها تلافياً لأي أخطار محتملة من هذا الانسحاب، وهي العليمة بأنّ القوات الأفغانية الحكومية لا تملك أسباب القوّة الكافية من أجل حسم عسكري باتر، يضعها في ميزان الترجيح بسلطة القانون لفرض هيبتها وقدرتها على إدارة البلاد، بما يطفئ بؤر الفتن، ويخمد نيران التشظّي..
كلّ هذه الاستفهامات المنطقية تتقولب إلى حيرة مدهشة في ظلّ المشهد السريالي الذي أوجدته القوّات الأمريكية على أرض الواقع في أفغانستان بإنجازها لـ«نصف حرب» طوال هذه السنوات العشرين الماضية، والانتهاء إلى «الاعتراف» بطالبان كجزء رئيس من معادلة السّلام، والدعوة إلى تغليب أسلوب الحوار وصولاً إلى توافق يحقّق مصالح الأطراف المتصارعة في السّاحة الأفغانية، بما يعني بداهة «هزيمة» الشّعارات الأمريكية الأولى، و«انتصاراً» لحركة طالبان في فرض أجندتها ووجودها على المستويين العسكري والدبلوماسي، وهو ما يبدو سائداً ومشاهداً اليوم، ووشيكاً ستفرض «الجماعة» سطوتها على كامل البلاد، لتنتقل العدوى منها إلى ما جاورها من دول الإقليم، بنذر فوضى لن تبقي ولن تذر..
إنّ هذا المشهد السريالي الذي نشهده في أفغانستان اليوم، يكاد يتطابق مع المشهد في العراق، بعد حرب شنّت بذات الشعارات البراقة، وانتهت إلى حالة انقسام حاد، استفاد منها أصحاب المشروع «الصفوي»، فأوشكوا على وضع «بغداد» تحت وصاية الحلم الفارسي في «قم»؛ لولا التحرك السعودي الباصر والحكيم وفي الوقت المناسب، لإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي في الحضن العربي.. كما أنه ليس ما يحصل في سوريا اليوم ببعيد عمّا انتهى إليه الحال في أفغانستان، بوجه من وجوه الاعتراف العلني بسلطة «الأسد»، من قبل الإدارة الأمريكية، واعتباره جزءاً من الحل المقبل، وليس سبباً في الأزمة السورية في جوهرها.. ولن ننسى كذلك الاعتراف الأمريكي بمليشيا الحوثي الإرهابية في خضم الأزمة اليمنية، واعتبرها من عناصر الحل، وليست من مهيّجات الصّراع والفتنة.. كلّ هذه المواقف الأمريكية وغيرها، تصبّ في مصلحة هذه الجماعات الإرهابية، والكيانات الرادكالية، والتكوينات المتطرفة، فوضعها في قوائم المشاركين في الحل لا يعدو أن يكون تلبيساً للحقيقة الجلية، وزرعاً لألغام قابلة للانفجار في أيّ وقت، والمحصلة حالة من الفوضى المتأرجحة بين اللاسلم واللاحرب، تهيئ السّاحة لحالة من الابتزاز المستمر، وسوقاً مفتوحاً لبيع السلاح لكافة الأطراف المتناحرة، بما يملأ جيوب تجّار الحروب ويزيد أرصدتهم من تجارة المعاناة والدمار.