-A +A
هيلة المشوح
عند الحديث عن الصحوة يثور البعض ويتحسس ويصطف في خانة الدفاع معتقداً أنه يتوجب عليه إسقاط كل ما يخالف التعبئة الصحوية التي ترعرع عقله في محاضنها، إن حقاً أو باطلاً، ظاناً أن من يمس الصحوة هو بالضرورة يمس الدين، وهذا التعنت في واقع الأمر هو فهم خاطئ للصحوة التي قامت وتأسست في الأصل لأهداف سياسية براغماتية أبعد من كونها مجرد وعظ وحلقات ذكر وتذاكر، مما يدفع البعض منهم إلى تجاوز الأمر من حدود الدفاع المقبول إلى الإنكار غير المعقول وتحت ذرائع واهية «كاستفزاز المجتمع بدينه»!

تمكن رموز جماعة الإخوان في المملكة من ترسيخ الصحوة كحراك ديني اجتماعي بدأت طلائعه بالاصطباغ بصبغة محلية وتجييش العواطف الدينية بالوعظ والخطب العصماء وانتهت بالتفخيخ والتفجير وحراك سياسي تعبوي يستهدف السلطة ويزرع بذور الفتن والتشظي بين الشعب والدولة وبين فئات الشعب نفسه، ويجدر هنا التذكير بمقولة للأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- واصفاً واقع الحال الذي أفضى إلى تمكين رموز الصحوة واستئثارهم بـ«غنيمة» السيطرة على عقول المجتمع لقاء كرم الدولة عليهم حين قال: «بحكم مسؤوليتي أقول إن الإخوان لما اشتدت عليهم الأمور، وعلقت لهم المشانق في دولهم، لجأوا إلى المملكة فتحملتهم وصانتهم، وحفظت حياتهم بعد الله، وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين، وإخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بهذا الوضع، وقالوا إنه لا يجب أن يتحركوا من المملكة، لكن بعد بقائهم سنوات بين ظهرانينا، وجدنا أنهم يطلبون العمل، فأوجدنا لهم السبل، ففيهم مدرسون وعمداء، فتحنا أمامهم أبواب المدارس والجامعات، لكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة، فأخذوا يجندون الناس، وينشئون التيارات، وأصبحوا ضد المملكة»، ومن هذه المقولة يجب أن يبدأ كل مغيب ومجند العقل بدجل الصحوة الإخوانية بالصحوة الحقيقية وإنعاش جوارحه وعقله بلذة الاعتدال والوسطية دون أيديولوجيات وأجندات وخرافات أبعد ما تكون عن الدين الإسلامي.


الصحوة لم تكن أفكارا عابرة أو دعوة عفوية، بل كانت أيديولوجيا لفكر تسلل متخادماً مع أجندات ذات أبعاد سياسية هيمنت على المجتمع قرابة أربعين عاماً، ومن هذا المنطلق يتحتم على كل صاحب منبر مؤثر وقلم صادق أن يوثق زمن الصحوة وأدبياتها وربطها بمصادرها ورموزها ودهاقنتها وتدوين المتغيرات التي أحدثتها في المجتمع والانقسامات والتصنيفات التي رسختها بين شرائحه منذ تسللها حتى مواجهة مخرجاتها الإرهابية، كي لا تواجه الأجيال القادمة حالة الإنكار التي نواجهها اليوم من البعض، رغم أننا وإياهم كنا في ذات الحقبة وشهدنا ذات الفكر، ولن أذهب بعيداً عن الحملة التي واجهها الأستاذ مشاري الذايدي في لقاء متلفز جراء بعض الآراء التي طرحها عن الإسلام السياسي ومرحلة الصحوة والمتغيرات التي طرأت على المجتمع في نمط حياته ككل!