لم يعد سرا حجم التأثير الذي سببته وسائل التواصل الاجتماعي الرقمي والافتراضي على حياة الناس بشكل عام، وتحديدا منذ انطلاقة جائحة كوفيد – 19 المدمرة حول العالم. وأصبحت هذه الوسائل جزءا ومكونا مهما من حياتنا اليومية بشكل أو آخر، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. وأصبح الانتقال من «تريند» إلى «آخر» وسيلة متبعة لمعرفة وقياس مزاج الرأي العام بشكل عفوي وسريع. وأصبح هاجس التقاط صور المناسبات المختلفة و«المشاركة» بها أهم من عيش اللحظة والاستمتاع بها. أصبح من المتوقع الإفصاح عن كافة حالات المشاعر الإنسانية من حب وكره وفرح وحزن وبغض وإعجاب وازدراء والتعلم والصداقة بشكل افتراضي أو كما يتم وصفه «أون لاين». وأصبح هذا الواقع الافتراضي الجديد مسألة لا يمكن إنكار تأثيرها وفعاليتها على حياة الناس عموما وخصوصا على صعيد السلوك البشري السوي والفطري الذي تحول لتصبح فيه الصداقة تترجم بمتابعة أو إضافة والقطيعة تترجم بالحظر أو كما يعرف بالبلوك! وهل يخرج الشخص المحظور أو الذي حصل له البلوك من حياتنا إلى الأبد أم أنها حالة مؤقتة ومعلقة فقط؟! أصبحت حالة متابعة الحسابات المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أقرب للهوس، ما يمكن تصنيفه طبيا بالإدمان، وهو ما يدخلنا في أبعاد درامية أخرى لمعنى تأثير هذه التقنية وتوابعها على صحة الإنسان الجسدية والنفسية. وهذا بطبيعة الحال يقود للحديث عن دوائر التأثير الكبرى التي يتسبب فيها من يطلق عليهم مسمى «المؤثرين» وهي ظاهرة لا تزال في بداياتها وهي تساهم في توجيه وبالتالي صناعة الأذواق العامة في مختلف المجالات، وبالتالي من الممكن أن تكون إحدى القواعد المؤسسة للأخبار الكاذبة من بعد ذلك. هناك اعتقاد قديم كان يردده مختصو الإعلام دوما ومفاده أن الوسائل الإعلامية الجديدة لا تلغي القديمة. فالراديو لم يلغِ أو يوقف طباعة الصحف والتلفزيون لم ينحِّ السينما عن المشهد. ومن الواضح أن صلاحية أو حتى جدوى هذه المقولة انتهت تماما. ففي الزمن الإلكتروني الافتراضي وعصر الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي المتعددة، أصبح من الممكن أن تقوم منصة واحدة بكافة الأدوار بدون أي استثناء وبأقل عدد من الموظفين، وبالتالي التكاليف مع تحقيق معايير قياسية جديدة للانتشار والتأثير ونظريا يصبح بإمكانها تحقيق المكاسب والعوائد المالية المناسبة. على ما يبدو أن «تعايش» نوافذ ووسائل الإعلام قد شارف على النهاية ومن الواضح أن الوسائل التكاملية هي التي فرضت نفسها بشكل واضح. كل ما سبق هو علامات واقع جديد ومهم جدا ملامحه تتشكل بقوة لتنذر بقادم مختلف تماما والشق الإعلامي هو مجرد عنصر من العناصر التي سيطالها التغيير.