عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان العام 2001 لإسقاط حكومة طالبان، صرح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بأن طالبان والقاعدة وجهان لعملة واحدة، ولذلك فإن الهدف من الغزو هو اجتثاث شأفتهما معاً، وبسقوط نظام طالبان صرحت الحكومة الأمريكية وقتئذٍ بأنها بصدد تكوين جيش نظامي من الأفغان قادر على حماية البلاد من الإرهابيين، وأنها لن تغادر البلاد حتى تتأكد من قدرة الحكومة الأفغانية على تحمل أعبائها، وخلال عقدين من الزمن شهدت العلاقة بين طالبان والحكومات الأمريكية نوعاً من المد والجزر، لكن تسارع وتيرة الأحداث مؤخراً وسقوط الولايات الأفغانية طرح العديد من التساؤلات حول مستقبل هذا البلد المنكوب.
يحق لنا أن نتساءل عن جدوى الغزو الأمريكي إذا كانت المحصلة النهائية هي عودة طالبان مرة أخرى للحكم، وهل عكس التساقط السريع للولايات الأفغانية قوة طالبان المسلحة؟ وهل تضاهي قوة هذا التنظيم قوة الجيش الأفغاني الذي ادعت الولايات المتحدة تسليحه وتدريبه خلال عقدين من الزمن، أم أن الوضع الحالي ليس أكثر من خريطة جديدة لتلك المنطقة خُطط لها جيداً داخل دهاليز السياسة الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة، ليعيش هذا البلد على صفيح ساخن من جديد.
عقب غزو أفغانستان والإطاحة بحكومة حركة طالبان لم يتم تجفيف منابع الحركة، كل ما حدث هو إزاحتها من الحكم مؤقتاً فحسب، في الوقت الذي ظلت فيه للحركة جذورها العميقة وخلاياها النشطة، ولم تكف الحركة عن ممارسة إرهابها أبداً بل كانت تقوم ببعض العمليات التخريبية هنا وهناك، وكان لتلك العمليات الإرهابية العديد من الأهداف، منها ممارسة الضغط على الحكومة الشرعية لضم عناصرها لها، ومقاومة القوات الأمريكية لإزعاجهم وحثهم على الرحيل.
المتتبع لسياسة الحكومة الأمريكية يدرك تماماً بأنها لا تعرف إلا لغة المصالح، وكل التصريحات التي يدلي بها ساستها ليست أكثر من وعود كاذبة وشعارات براقة، وقد دأبت الحكومات الأمريكية على استخدام حلفائها واستنزافهم لآخر قطرة ثم تقديمهم بعد ذلك لقمة سائغة لخصومهم، والشواهد على ذلك كثيرة جداً في تاريخها المظلم، فعلى سبيل المثال عندما قام العراق باحتلال الكويت 1990 استمالت الحكومة الأمريكية الأكراد في شمال العراق وقدمت لهم الكثير من الوعود الكاذبة، كما قامت بتأليب المثلث الشيعي في الجنوب من أجل القيام بانتفاضة ضد حكومة العراق، وقد كان الهدف من تلك الوعود استنزاف نظام صدام حسين المهتز وقتئذٍ من أجل تقليل المقاومة ضد الجيش الأمريكي وبالتالي تقليل الخسائر في صفوفها.
لكن ما إن انتهت حرب تحرير الكويت حتى قامت الولايات المتحدة بتقديم حلفائها السابقين لقمة سائغة لنظام صدام حسين، وعلى الرغم من فرض قوات التحالف وقتئذٍ لحظر جوي يمنع بموجبه استخدام العراق لطائراته، إلا أنهم سمحوا للمروحيات العراقية العسكرية بالتحليق من أجل دك المناهضين للنظام العراقي؛ حيث قتل منهم عشرات الآلاف في مجازر جماعية وأمام أعين القوات الأمريكية، وتكرر نفس المشهد عندما قامت بغزو العراق 2003 حيث قدمت الوعود للشعب العراقي بالخلاص من نظام الطاغية ووعدتهم بحرية مزعومة لم يعيشوها حتى هذه اللحظة، بل إنها قدمت العراق نفسه لقمة سائغة لنظام طهران والتنظيمات الإرهابية كداعش وغيره، والتي قتلت في العراق أكثر مما قتل نظام صدام حسين نفسه.
ويتكرر المشهد مرة أخرى في أفغانستان، فقد تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها هناك وقدمتهم على طبق من ذهب لتنظيم طالبان، ويخطئ من كان يظن أن السيناريو المتوقع في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية مختلف عما يحدث الآن، ولعل تصريحات وزير الدفاع الأفغاني بعد سقوط كابول من أن الرئيس الأفغاني كبل أيديهم تلقي الضوء على سر الصعود السريع لطالبان للواجهة مرة أخرى، والمثير للقلق هو تغاضي الغرب عن التقارب بين طالبان وإيران، لتسلم بذلك الولايات المتحدة لإيران مفاتيح الشرق كما سلمتها من قبل مفاتيح الغرب في العراق.
من المؤكد أن سقوط الحكومة الأفغانية وسيطرة تنظيم طالبان على زمام الأمور أثار مخاوف العديد من الدول والأطراف من عودة التنظيمات المتطرفة لهذا البلد الجريح، ولكن يبدو في المقابل أنها أثلجت صدور بعض الدول التي ترغب في فرض وصايتها وإملاء شروطها مقابل دعم التنظيم سياسياً واقتصادياً، وعلى الرغم من أن التنظيم يبدو حتى هذه اللحظة في أقصى حالات رباطة الجأش والهدوء والرغبة الجادة في العودة إلى نسيج المجتمع الأفغاني الجريح، إلا أن الوعود وحدها لا تكفي إلا إذا تجسدت على أرض الواقع، وبصفة شخصية أعتقد أن الرموز الأفغانية يمكنها الاتفاق مع تنظيم طالبان لتشكيل حكومة وطنية تضم مختلف شرائح المجتمع الأفغاني بشرط عدم تدخل أية أطراف خارجية ترغب في فرض وصايتها على المجتمع الأفغاني وعلى سياسة الحكومة الوليدة.
الشيء بالشيء يذكر، بنظرة شاملة على المناطق الملتهبة بالشرق الأوسط نجد تشابهاً كبيراً بين دولتين متباعدتين جغرافياً غير أن بينهما الكثير من العوامل المتشابهة، وهما أفغانستان واليمن، فكلاهما دول محدودة الموارد ومنهكة اقتصادياً، يحكم كل منهما هيكل سياسي وإداري مفكك، ويسيطر على مفاصل الحكم فيهما العشائر وأمراء الحرب، ولو لم تتدخل المملكة في اليمن لحماية الحكومة الشرعية وإنقاذها من براثن الحوثي المدعوم من نظام طهران لوصل بها الحال من التمزق والتفكك والمعاناة من التدخل الأجنبي لنفس الوضع الذي تعاني منه أفغانستان الآن، والتي ينتظرها مصير غامض لا يعلمه إلا الله.
يحق لنا أن نتساءل عن جدوى الغزو الأمريكي إذا كانت المحصلة النهائية هي عودة طالبان مرة أخرى للحكم، وهل عكس التساقط السريع للولايات الأفغانية قوة طالبان المسلحة؟ وهل تضاهي قوة هذا التنظيم قوة الجيش الأفغاني الذي ادعت الولايات المتحدة تسليحه وتدريبه خلال عقدين من الزمن، أم أن الوضع الحالي ليس أكثر من خريطة جديدة لتلك المنطقة خُطط لها جيداً داخل دهاليز السياسة الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة، ليعيش هذا البلد على صفيح ساخن من جديد.
عقب غزو أفغانستان والإطاحة بحكومة حركة طالبان لم يتم تجفيف منابع الحركة، كل ما حدث هو إزاحتها من الحكم مؤقتاً فحسب، في الوقت الذي ظلت فيه للحركة جذورها العميقة وخلاياها النشطة، ولم تكف الحركة عن ممارسة إرهابها أبداً بل كانت تقوم ببعض العمليات التخريبية هنا وهناك، وكان لتلك العمليات الإرهابية العديد من الأهداف، منها ممارسة الضغط على الحكومة الشرعية لضم عناصرها لها، ومقاومة القوات الأمريكية لإزعاجهم وحثهم على الرحيل.
المتتبع لسياسة الحكومة الأمريكية يدرك تماماً بأنها لا تعرف إلا لغة المصالح، وكل التصريحات التي يدلي بها ساستها ليست أكثر من وعود كاذبة وشعارات براقة، وقد دأبت الحكومات الأمريكية على استخدام حلفائها واستنزافهم لآخر قطرة ثم تقديمهم بعد ذلك لقمة سائغة لخصومهم، والشواهد على ذلك كثيرة جداً في تاريخها المظلم، فعلى سبيل المثال عندما قام العراق باحتلال الكويت 1990 استمالت الحكومة الأمريكية الأكراد في شمال العراق وقدمت لهم الكثير من الوعود الكاذبة، كما قامت بتأليب المثلث الشيعي في الجنوب من أجل القيام بانتفاضة ضد حكومة العراق، وقد كان الهدف من تلك الوعود استنزاف نظام صدام حسين المهتز وقتئذٍ من أجل تقليل المقاومة ضد الجيش الأمريكي وبالتالي تقليل الخسائر في صفوفها.
لكن ما إن انتهت حرب تحرير الكويت حتى قامت الولايات المتحدة بتقديم حلفائها السابقين لقمة سائغة لنظام صدام حسين، وعلى الرغم من فرض قوات التحالف وقتئذٍ لحظر جوي يمنع بموجبه استخدام العراق لطائراته، إلا أنهم سمحوا للمروحيات العراقية العسكرية بالتحليق من أجل دك المناهضين للنظام العراقي؛ حيث قتل منهم عشرات الآلاف في مجازر جماعية وأمام أعين القوات الأمريكية، وتكرر نفس المشهد عندما قامت بغزو العراق 2003 حيث قدمت الوعود للشعب العراقي بالخلاص من نظام الطاغية ووعدتهم بحرية مزعومة لم يعيشوها حتى هذه اللحظة، بل إنها قدمت العراق نفسه لقمة سائغة لنظام طهران والتنظيمات الإرهابية كداعش وغيره، والتي قتلت في العراق أكثر مما قتل نظام صدام حسين نفسه.
ويتكرر المشهد مرة أخرى في أفغانستان، فقد تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها هناك وقدمتهم على طبق من ذهب لتنظيم طالبان، ويخطئ من كان يظن أن السيناريو المتوقع في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية مختلف عما يحدث الآن، ولعل تصريحات وزير الدفاع الأفغاني بعد سقوط كابول من أن الرئيس الأفغاني كبل أيديهم تلقي الضوء على سر الصعود السريع لطالبان للواجهة مرة أخرى، والمثير للقلق هو تغاضي الغرب عن التقارب بين طالبان وإيران، لتسلم بذلك الولايات المتحدة لإيران مفاتيح الشرق كما سلمتها من قبل مفاتيح الغرب في العراق.
من المؤكد أن سقوط الحكومة الأفغانية وسيطرة تنظيم طالبان على زمام الأمور أثار مخاوف العديد من الدول والأطراف من عودة التنظيمات المتطرفة لهذا البلد الجريح، ولكن يبدو في المقابل أنها أثلجت صدور بعض الدول التي ترغب في فرض وصايتها وإملاء شروطها مقابل دعم التنظيم سياسياً واقتصادياً، وعلى الرغم من أن التنظيم يبدو حتى هذه اللحظة في أقصى حالات رباطة الجأش والهدوء والرغبة الجادة في العودة إلى نسيج المجتمع الأفغاني الجريح، إلا أن الوعود وحدها لا تكفي إلا إذا تجسدت على أرض الواقع، وبصفة شخصية أعتقد أن الرموز الأفغانية يمكنها الاتفاق مع تنظيم طالبان لتشكيل حكومة وطنية تضم مختلف شرائح المجتمع الأفغاني بشرط عدم تدخل أية أطراف خارجية ترغب في فرض وصايتها على المجتمع الأفغاني وعلى سياسة الحكومة الوليدة.
الشيء بالشيء يذكر، بنظرة شاملة على المناطق الملتهبة بالشرق الأوسط نجد تشابهاً كبيراً بين دولتين متباعدتين جغرافياً غير أن بينهما الكثير من العوامل المتشابهة، وهما أفغانستان واليمن، فكلاهما دول محدودة الموارد ومنهكة اقتصادياً، يحكم كل منهما هيكل سياسي وإداري مفكك، ويسيطر على مفاصل الحكم فيهما العشائر وأمراء الحرب، ولو لم تتدخل المملكة في اليمن لحماية الحكومة الشرعية وإنقاذها من براثن الحوثي المدعوم من نظام طهران لوصل بها الحال من التمزق والتفكك والمعاناة من التدخل الأجنبي لنفس الوضع الذي تعاني منه أفغانستان الآن، والتي ينتظرها مصير غامض لا يعلمه إلا الله.