-A +A
نجيب يماني
إن شئت أن تقارب موضوعيا بين مؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، والإنجازات التي سطّرتها في سجل العطاء لهذا الوطن؛ وفاء لقيادته واستحقاقًا لإنسانه، فدونك قائمة طويلة من الإنجازات الباذخة، والعطاءات الباهرة، هي محصلة لتكامل الرؤى والإستراتيجيات، ونتيجة لما توليه القيادة الرشيدة لهذه المؤسسة من عناية، وتمحضها من البذل كفاء جهدها، ورجاء أن تفي بمتطلبات الرهان الكبير المعلّق عليها في توطين العلاج بالمملكة، لحالات كانت تستوجب السفر إلى الخارج لعلاجها، فأصبح علاجها ممكنًا وميسورًا في الداخل، وبخاصة في ما يتعلّق بزراعة الأعضاء، هذا الحقل الذي برعت فيه مؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، أيما براعة، وصارت رقمًا عالميًا صعبًا في هذا المجال..

وما كان لكل هذا أن يتحقق لولا أن القيادة، بثاقب بصيرتها، ونافذ رؤيتها، قد أحسنت اختيار العناصر التي تدير هذه المؤسسة فكانت جديرة بالثقة، قمينة بما يسند إليها من مهام، بما جعل المؤسسة خلية نحل بالنشاط، أكثر ما يميزها -فوق ما أنجزته في هذه الفترة- اهتمامها المتعاظم بالكادر البشري، وضرورة توفير البيئة والمناخ الذي يستطيع من خلاله أن يتجاوز محطات «الروتين» والأداء الرتيب في العمل، إلى براحات الابتكار والإبداع الخلاق، بحثا عن كل جديد يثري، وقيمة تضاف، ومبادرة تصبح أيقونة، ونشاطا يغدو نموذجا يحتذيه الآخرون، ولهذا ظل هذا الصرح على الدوام متقدًا بالنشاط، باحثًا عن الفرادة، ماسحًا من قاموسه مفردة «التقليد»..


إن هذه العناية الفائقة بالكادر البشري المنتسب لهذا الصرح الطبي، تتمظهر اليوم في إطلاق مبادرة «التخصصي يتحرك»، مستهدفًا بها منسوبيه في تخصصي الرياض وجدة والمدينة المنوّرة، عبر إشراكهم في أول ماراثون افتراضي لنشاط بدني تفاعلي ذاتي إرادي؛ مستجيبًا لمستهدفات رؤية المملكة 2030، الطموحة وفاتحًا لمنسوبيه نوافذ التنافس الشريف في ميدان الرياضة، قناعة ويقينًا أن العقل السليم لن يكون مستقره الآمن والفاعل إلا في جسم سليم، وغاية هذا الصرح أن يكون المنتسب إليه؛ وقّاد العقل لينجز، سليم البنية الجسدية ليعطي على قدر وقامة المؤسسة التي يعمل فيها.

إن إدارة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث قد أولت اهتمامها وأشرفت على وضع فكرة المبادرة، ومهّدت الطريق لتنفيذها بما يعزز من تغير أنماط سلوك الموظفين من الجنسين بخاصة وأن الظروف المعيشية اليوم جراء الوباء الجائح قد فرضت نمط الدوام المقيّد، بما يكسب هذه المبادرة أهميتها في بث روح النشاط والحيوية في مفاصل الموظف، ودفعه نحو ممارسة نوع من النشاط الحركي بما يعزز صحته، ويزيد نشاطه ويعود على المؤسسة بالإنتاجية المرجوة للمرضى، فضلاً عن خلق نمط مثالي لحياة أجمل بين أبناء المؤسسة، وإدراكهم الإنساني بقيمة الرياضة على الفرد والمجتمع بدنياً وعقلياً ونفسياً وما تحققه الممارسة الرياضية من تآلف وتوافق وزيادة في وشائج العلاقة الأسرية وبث الحيوية والحياة فيها، عن طريق إفراغ كل السلبيات والضغوط النفسية والعصبية في ممارستها..

المبادرة تتيح لكل موظف كامل الحرية في اختيار الوقت المناسب ليمارس رياضة المشي؛ ليلاً أو نهارًا، ويكون عدّاد الحساب للمسافات التي يقطعها محسوبًا في فترة الدوام، أو حتى في إجازته، سواءً كان مشاركًا لزملائه أو منفرداً، بحيث يحسب فيه المسافة التي قطعها خلال الفترات المحتسبة وهي خمسة عشر يوماً للماراثون، عن طريق تطبيق برنامج خاص لهذه المبادرة المميزة ليعلن بعدها الفائزون بالماراثون قياسًا على أعلى معدل من المسافات المقطوعة.. بالكيلومترات ونستبق تلك اللحظة بالتأكيد أن الجميع سيكونون الرابحين الفائزين بما اكتسبوه من لياقة سيكون لها بالغ الأثر في نشاطهم وعطائهم وصحتهم، بجانب تخلصهم من مسببات الكسل والقعود المضر، وملء أوقات فراغهم بنشاط حيوي له أثره في تقوية العلاقات وتمتين الصلات بين الجميع.. وقد عرف العرب ١٣٨ نوعاً من أنواع رياضة المشي كالركض والجري والعدو والهرولة والتهادي والجدف والدفيف والزحف والعجلة والنسلان وغيرها كثير، ففي زمن الرسول عليه الصلاة والسلام اشتكى الناس التعب والإرهاق إلى رسول الله فقال لهم عليكم بالنسلان وهو نوع من المشي يتصف بالإسراع وهي مشية الذئب التي تتصف بالخفة والإسراع في الخطوة.

ها هو «التخصصي يتحرّك».. وما كان بالساكن في السابق، لكنه اليوم يتحرّك في اتجاه تفعيل نشاط رياضي مهم للجميع عبر هذه المبادرة، التي نأمل أن يجد فيها الجميع القدوة من أجل بث روح النشاط والحيوية في كافة مفاصل حياتنا اليومية، بخاصة وأننا نعيش اليوم حراكًا استثنائيًا في كافة مرافق حياتنا اتساقًا مع «الرؤية» الباذخة التي أبدعتها عبقرية ولي العهد الأمين حفظه الله، وتأتي هذه المبادرة كإحدى ثمار هذه الرؤية الطموحة بخلق مجتمع واعٍ وصحي يلبي كل الطموحات ويحقق جميع الأمنيات ويعزز التخصصي بمبادرته هذه مفهوم الوقاية خير من العلاج، وبالتالي تقل الأمراض وترتفع جودة الحياة.