-A +A
عبدالرحمن الطريري
قبل عامين في مثل هذا التوقيت تقريبا، وتحديدا في الرابع عشر من سبتمبر، قررت إيران تغيير قواعد اللعبة، واستهداف المملكة من الشمال، وتوجيه ضربة لأكبر معمل لتكرير النفط في العالم، حيث شنت طائرات مسيرة وصواريخ كروز هجمات على منشأتي بقيق وهجرة خريص.

آنذاك خرج الحوثيون للحديث عن مسؤوليتهم عن الهجمات، التي تبعد أكثر من 1500 كم عن اليمن، وهو أمر غير منطقي رياضيا، ولا يفسر ذلك إلا على خطى إجبار العالم القبول بالحوثيين سلطة متفردة بحكم اليوم، امتنانا لها على ما تفعله من استهداف للمدنيين في اليمن وفي دول الجوار، على قاعدة تطويع المجرمين بمكافآت سياسية.


تغيير قواعد اللعبة بدأ بإقحام العراق في استهداف جواره العربي، كما أشارت صحف أمريكية لذلك الأمر آنذاك، وهو ما مثل تحذيرا لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من الذهاب بعيدا في علاقات متوازنة، كما تم تحذير حيدر العبادي من قبله، للتأكيد على عزل العراق عربيا كهدف إستراتيجي إيراني.

ولعل توقيت هجمات السبت الماضي، والتي أعقبت قمة التعاون والشراكة والتي استضافتها بغداد، وشهدت مشاركة 9 دول عربية وأجنبية ومنظمات عربية ودولية، ما عُد خطوة مميزة على طريق تعزيز علاقات العراق عربيا ودوليا، أمر مقلق لإيران مما يعزز احتمالات استخدام الأراضي العراقية لهذا الهجوم، وهو ما لم يتأكد بعد.

الأمر الآخر الذي مست به إيران عبر تغيير قواعد اللعبة، هو استهداف المنشآت النفطية الكبرى، مما يعني رفع أسعار النفط مباشرة والتأثير على استقرار الإمدادات في السوق، وهو الأمر الذي لا يغضب الحلفاء الغربيين أولا، بل يُغضب كبار المستوردين مثل الصين، والتي أشك أن إيران تريد حقا إستفزازها.

في الهجوم السابق كانت إيران تبحث عن حجر كبير ترميه في المياه الراكدة من المفاوضات مع ترمب، عسى أن يفتح ذلك فرصة لتخفيف العقوبات والبدء في الحوارات ولو عبر طرف ثالث، وعلى أقل تقدير استجلاب ضربة خارجية تكفل شد العصب في ظل الداخل الممتعض من الأوضاع الاقتصادية.

اليوم تأتي هذه الضربة أيضا بعد أن شُلت المفاوضات في جولتها الأخيرة، وكأن إيران مع نهاية مسرحية تيار الاعتدال بأبطالها روحاني وظريف، تقول إن إيران مع روحاني هي إيران ما بعد الثورة والتي احتجزت العناصر الأمريكية في السفارة بطهران لـ444 يوما، وبالتالي يجب أن يكون المقابل مجددا على قاعدة تطويع المجرمين بمكافآت سياسية.

فإيران اليوم تعتقد أن ضعفها خاصة الاقتصادي لا يعني الكثير في مفاوضاتها مع الغرب، لأن الغرب وخاصة واشنطن يبدو ضعيفا أيضا وهو يغادر أفغانستان بلا خطة، والحديث المتكرر من آخر رؤساء أمريكيين عن أولوية التصدي للصين لا يبدو حقيقة لديه شواهد على الأرض، وبالتالي يجب تكثيف استخدام السلاح لأنه من أخرج واشنطن من كابول، وهو المرشح لإخراج الاتفاق النووي من فيينا.