-A +A
نجيب يماني
التعدد والروح الرياضية مقال كتبه الأستاذ مشعل السديري (الشرق الأوسط) يتحدث فيه عن دراسة حديثة أجريت على عينة من الأسر في مدينة الرياض، أفادت بأن 55% ممن لديهم أكثر من زوجة فكروا في الزواج بعد مرور 5 سنوات من الزواج الأول، في حين فكر 14% في الزواج الثاني بعد مرور سنتين وحوالى 10% من الرجال فكروا في الزواج الثاني قبل مرور السنة الأولى. يعني باختصار أن 79% من الأزواج كانوا مبيتين هذه النية منذ البداية.

ويضيف الأستاذ مشعل بأن الإسلام أباح التعدد بشرط شبه إعجازي، وذلك عندما جاء في محكم الكتاب: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، وقوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، وفي هذه الآية معنى صريح في إباحة التعدد للرجل، كما تفيد الآية أن العدل شرط لإباحة التعدد ولا يشترط اليقين من عدم العدل لحرمة الزواج بالثانية بل يكفي غلبة الظن.


والعدل المطلوب من الرجل هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت وغيرها من الأمور المادية مما يكون في استطاعته القيام به، أما التسوية بين زوجاته في المحبة وميل القلب والأحاسيس والعواطف فهو غير مكلف بها ولا مطالب بالعدل فيها بين زوجاته لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، ولهذا كان رسول الله عليه الصلاة السلام يقول: (اللهم هذا قسمي في ما أملك فلا تؤاخذني في ما تملك ولا أملك)، أي في المحبة لبعض زوجاته أكثر من البعض الآخر.

يقول ابن قدامة «لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب مالك والشافعي، وذلك لأن الجماع طريقة الشهوة والميل ولا سبيل للتسوية بينهما في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى»، ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع مثل القُبَل واللمس ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى لأن النفس البشرية ورغباتها وطاقاتها ومكامن ضعفها نص عليها القرآن بقوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين الناس ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) مقرراً حكماً أن الحب والعشق أمور وجدانية وليست عقلانية يتحكم بها الإنسان قائلاً للأزواج إذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية وتبقى الأخرى معلقة كأنها غير ذات زوج ولا مطلقة، فليس في مقدور الزوج التحكم في عاطفته وحبه وميله وتوزيعها على زوجاته بالتساوي.

ورغم أنه شرط معقول ومنطقي وليس بتعجيزي ولا يستحيل تحقيقه كما يقول أستاذنا مشعل بل هو شرط يضمن للزوجات حقوقهن دون إجحاف أو ظلم، ورغم ذلك فإن البعض يتشدق بالعدل ويجعل منه عكازاً يتكئ عليه خوفاً ورهبة من المجتمع والزوجة الأولى والاتكيت وأيش تقول الناس!

فمن المؤكد أن من يريد التعدد تكون لديه القدرة المالية على إرضاء زوجاته في العطاء والنفقة والمبيت إلا أن تتنازل واحدة من الزوجات عن ليلتها للزوجة الأخرى وهذا جائز بفعل أم المؤمنين سودة بنت زمعة بتنازلها عن حقها في المبيت لأم المؤمنين عائشة.

فالعدل المطلوب متاح لكل معدد وليس بصعب تحقيقه وكأنه ما بقي من الفضائل شيء فقد أتينا عليها جميعاً، وطفقنا نبحث عن فضيلة العدل بين الزوجات وتنزهنا عن كل الرذائل والرزايا حتى لم يبقَ شيء سوى التنزه عن تفضيل ليلى على سعاد.

أي ورع هذا الذي طلبناه وقلنا باشتراطه أو لا يأتي الظلم إلا بالتعدد، كم من زوجة طيبة صابرة أتاها الظلم على غفلة من أمرها من زوجها السادر في سفاسف الأمور والساقط منها. يعلق ابن حجر على قوله تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء) فجعلهن من الشهوات وبدا بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك فذكر أولاً النساء ثم البنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل والأنعام والحرث. فجاء حب النساء أول ما جاء في قلب الرجل دون بقية الشهوات؛ لذا فإن النسبة التي ذكرها الأستاذ مشعل في مقاله نسبة قليلة، مؤكداً أنها تصل إلى أكثر من ذلك بكثير ليس في منطقة الرياض وحسب وإنما في كل مكان وجدت فيه أنثى وعاش فيه رجل.. كتبت ما كتبت للتوضيح وليس للتحريض.