عقب غزو صدام حسين دولة الكويت الشقيقة في عام 1990 خرجت العديد من النظريات التآمرية المخزية المؤسفة، غير أن الملاحظ هو أن تلك النظريات لم تطَل الكويت فحسب بل طالت المملكة العربية السعودية أيضاً، ومن المؤسف أن بعض الدول العربية هي من روّجت لتلك النظريات أكثر من الدول الغربية ذاتها، ولا شك أن ردود الأفعال خلال تلك المحنة وما تلتها من وقائع حاسمة أظهرت معدن كل نظام من الأنظمة العربية والإقليمية والدولية أيضاً.
كانت الغالبية العظمى من دول العالم وقتذاك مصرة على إنهاء احتلال العراق لأراضي الكويت وتحريرها بالكامل دونما تباطؤ أو تلكؤ، فالموقف واضح وجلي، والعراق -وقتئذٍ- في نظر المجتمع الدولي معتدٍ وآثم، غير أنه بمجرد اندلاع حرب التحرير حتى خرجت للعلن بعض النظريات العسكرية المشبوهة التي تكاد تتفوق على غيرها من النظريات في لؤمها وخبثها، والتي لا يصعب اعتبارها حلولاً للأزمة بقدر ما يمكننا اعتبارها نظريات تآمرية خبيثة.
فاجأ بعض الزعماء والسياسيين العرب العالم باستنكارهم ضرب القوات العراقية داخل العراق نفسه، طارحين تساؤلاً يحمل في طياته الكثير من الحقد الدفين والمزج بين ازدواج المعايير والأغراض المشبوهة، فإن كان الهدف هو إنهاء احتلال العراق للكويت، فلِمَ تم استهداف القواعد العسكرية للنظام العراقي داخل العراق؟ ومن الواضح بالطبع الهدف الخفي من هذا التساؤل الخبيث، الذي أيدته بعض القوى العربية آنذاك، فالرغبة كانت إبقاء القوات العراقية بكامل عدتها وعتادها وبما يسمح لها بتكرار عدوانها مرة أخرى، وهو ما يعني استمرار ابتزاز دول الخليج.
من المؤكد أننا لن نخصص الكثير من الوقت لمناقشة تلك الحجج الواهية، فأقل ما يقال للرد عليها هو أن صواريخ سكود نظام صدام حسين كانت تنطلق خلال الأزمة من أراضي العراق نفسه باتجاه المملكة، ولم يكن بالإمكان التغاضي عن تلك الهجمات التي كانت ستتطور عاجلاً أم آجلاً ضد المملكة، ولذلك فإن تكاتف الجهود العسكرية لاستئصال مصدر التهديد من منبعه لم يكن حيلة دفاعية ضرورية فحسب، بل كان هدفاً استراتيجياً بامتياز.
من المؤكد أن الإبقاء على مصدر التهديد يمثل وقتذاك خطأ عسكرياً فادحاً، فالإبقاء على مصدر التهديد بكامل قوته وجاهزيته يعني استمرار حالة التوتر والصراع وينسف جميع المحاولات الرامية لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، ولذلك فمثلما يتطلب القضاء على الإرهاب تجفيف منابعه، استلزم إنهاء الصراع وقتها تقليم أظافر القوة العسكرية لصدام حسين وتفكيك قواه بالكامل، وبما أن العراق هو من احتل الكويت، لذلك يجب إنهاء حالة الاحتلال والقضاء على مصدر التهديد ذاته.
وتمر الأيام والسنين ويكرر التاريخ نفسه، ولكن مع تغير اللاعبين هذه المرة، فمنذ اندلاع حرب اليمن لم يتوقف الحوثي عن استهداف المملكة والإغارة على حدودها من داخل قلب اليمن، ويوماً بعد يوم تقوم المليشيات المدعومة من طهران بالمزيد من الاعتداءت الأثيمة على حدود المملكة ومرافقها، ومن الطبيعي بل من المحتم ألا تكتفي المملكة بصد الهجمات فقط والرد على كل منها على حدة عند حدوثه، فإيقاف تلك الهجمات جذرياً يستلزم تفكيك قوى العدو ذاتها وإضعاف هياكلها، وما يدهشنا في هذا السياق هو تلك التصريحات التي لم تكتفِ فحسب بمجرد إدانة العدو الحوثي، بل تطالب المملكة بأن تكتفي بلعب دور حارس المرمى، وأن تبقى في حالة انتظار للكيفية والتوقيت الذي ينتوي العدو مهاجمتها خلاله ثم الرد عليه.
القضاء على مصدر التهديد الحوثي يكون من خلال العمل على محورين: الأول عسكري يتعلق بتدمير القواعد العسكرية الإيرانية داخل أراضي اليمن، والثاني اقتصادي يرتبط بتركيز الضربات ضد الاقتصاد الإيراني وخنقه من خلال تغليظ العقوبات الاقتصادية ضدها، ومن خلال هذين المحورين يمكن تطويق هياكل وبنى النظام الإيراني، الذي يعد منبع الإرهاب الحوثي ورأسه، وبإضعاف التأثيرات الإيرانية سيفقد الحوثي القدرة على الاستمرار والمقاومة، وبالتالي سيتم استئصال شأفة الإرهاب من منبعه.
يريد المتآمرون أن تكون سياسة المملكة دفاعية فقط، تنتظر العدوان ثم تقوم بصده، دون حتى أن تتمكن من أن تعرف متى ستأتيها الضربة القادمة أو ما مدى قوتها، ومن المؤكد أن هذا الموقف الضعيف لا يقبله العقل ولا يرتضيه حتى المنطق العسكري لأي دولة، ونتعجب من هؤلاء الذين يتباكون على الأزمة الإنسانية في اليمن ويتهمون المملكة بالإسهام فيها، ولكن يبقى التساؤل الأهم: هل المملكة هي سبب أزمة اليمن الإنسانية أم نظام طهران نفسه؟ أليس التدخل الإيراني في اليمن هو سبب جميع الكوارث التي حلت باليمن؟ أليس من المنطقي والواجب أن يتم تدمير الوجود الإيراني في اليمن لتحرير اليمن أولاً وإنقاذ شعبه، وتأمين دول الجوار ضد هجمات الحوثي المارقة؟
من المؤكد أن أي حلول أخرى بهذا الشأن مرفوضة كلية من قبل حكومة المملكة العربية السعودية شكلاً وموضوعاً، غير أنه على الرغم من التزام المملكة الهدوء والحكمة التامة خلال تعاملها مع الجانبين الإيراني والحوثي، إلا أن كلاً منهما تكاد لا تتوقف عن سعيها الحثيث في استفزاز المملكة وزيادة الهجمات المسيّرة ضد المدنيين في المملكة يوماً بعد يوم، متوقعة -أو بالأحرى متمنية- أن تسفر تلك المساعي عن الإيقاع بالمملكة لاستفزازها للرد بطريقة مشابهة، غير أن القيادة في المملكة تملك من الحكمة والحصافة ما يدفعها للتعامل مع هذا الملف الحساس والشائك بما يتفق مع القوانين والأعراف الدولية.
كانت الغالبية العظمى من دول العالم وقتذاك مصرة على إنهاء احتلال العراق لأراضي الكويت وتحريرها بالكامل دونما تباطؤ أو تلكؤ، فالموقف واضح وجلي، والعراق -وقتئذٍ- في نظر المجتمع الدولي معتدٍ وآثم، غير أنه بمجرد اندلاع حرب التحرير حتى خرجت للعلن بعض النظريات العسكرية المشبوهة التي تكاد تتفوق على غيرها من النظريات في لؤمها وخبثها، والتي لا يصعب اعتبارها حلولاً للأزمة بقدر ما يمكننا اعتبارها نظريات تآمرية خبيثة.
فاجأ بعض الزعماء والسياسيين العرب العالم باستنكارهم ضرب القوات العراقية داخل العراق نفسه، طارحين تساؤلاً يحمل في طياته الكثير من الحقد الدفين والمزج بين ازدواج المعايير والأغراض المشبوهة، فإن كان الهدف هو إنهاء احتلال العراق للكويت، فلِمَ تم استهداف القواعد العسكرية للنظام العراقي داخل العراق؟ ومن الواضح بالطبع الهدف الخفي من هذا التساؤل الخبيث، الذي أيدته بعض القوى العربية آنذاك، فالرغبة كانت إبقاء القوات العراقية بكامل عدتها وعتادها وبما يسمح لها بتكرار عدوانها مرة أخرى، وهو ما يعني استمرار ابتزاز دول الخليج.
من المؤكد أننا لن نخصص الكثير من الوقت لمناقشة تلك الحجج الواهية، فأقل ما يقال للرد عليها هو أن صواريخ سكود نظام صدام حسين كانت تنطلق خلال الأزمة من أراضي العراق نفسه باتجاه المملكة، ولم يكن بالإمكان التغاضي عن تلك الهجمات التي كانت ستتطور عاجلاً أم آجلاً ضد المملكة، ولذلك فإن تكاتف الجهود العسكرية لاستئصال مصدر التهديد من منبعه لم يكن حيلة دفاعية ضرورية فحسب، بل كان هدفاً استراتيجياً بامتياز.
من المؤكد أن الإبقاء على مصدر التهديد يمثل وقتذاك خطأ عسكرياً فادحاً، فالإبقاء على مصدر التهديد بكامل قوته وجاهزيته يعني استمرار حالة التوتر والصراع وينسف جميع المحاولات الرامية لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، ولذلك فمثلما يتطلب القضاء على الإرهاب تجفيف منابعه، استلزم إنهاء الصراع وقتها تقليم أظافر القوة العسكرية لصدام حسين وتفكيك قواه بالكامل، وبما أن العراق هو من احتل الكويت، لذلك يجب إنهاء حالة الاحتلال والقضاء على مصدر التهديد ذاته.
وتمر الأيام والسنين ويكرر التاريخ نفسه، ولكن مع تغير اللاعبين هذه المرة، فمنذ اندلاع حرب اليمن لم يتوقف الحوثي عن استهداف المملكة والإغارة على حدودها من داخل قلب اليمن، ويوماً بعد يوم تقوم المليشيات المدعومة من طهران بالمزيد من الاعتداءت الأثيمة على حدود المملكة ومرافقها، ومن الطبيعي بل من المحتم ألا تكتفي المملكة بصد الهجمات فقط والرد على كل منها على حدة عند حدوثه، فإيقاف تلك الهجمات جذرياً يستلزم تفكيك قوى العدو ذاتها وإضعاف هياكلها، وما يدهشنا في هذا السياق هو تلك التصريحات التي لم تكتفِ فحسب بمجرد إدانة العدو الحوثي، بل تطالب المملكة بأن تكتفي بلعب دور حارس المرمى، وأن تبقى في حالة انتظار للكيفية والتوقيت الذي ينتوي العدو مهاجمتها خلاله ثم الرد عليه.
القضاء على مصدر التهديد الحوثي يكون من خلال العمل على محورين: الأول عسكري يتعلق بتدمير القواعد العسكرية الإيرانية داخل أراضي اليمن، والثاني اقتصادي يرتبط بتركيز الضربات ضد الاقتصاد الإيراني وخنقه من خلال تغليظ العقوبات الاقتصادية ضدها، ومن خلال هذين المحورين يمكن تطويق هياكل وبنى النظام الإيراني، الذي يعد منبع الإرهاب الحوثي ورأسه، وبإضعاف التأثيرات الإيرانية سيفقد الحوثي القدرة على الاستمرار والمقاومة، وبالتالي سيتم استئصال شأفة الإرهاب من منبعه.
يريد المتآمرون أن تكون سياسة المملكة دفاعية فقط، تنتظر العدوان ثم تقوم بصده، دون حتى أن تتمكن من أن تعرف متى ستأتيها الضربة القادمة أو ما مدى قوتها، ومن المؤكد أن هذا الموقف الضعيف لا يقبله العقل ولا يرتضيه حتى المنطق العسكري لأي دولة، ونتعجب من هؤلاء الذين يتباكون على الأزمة الإنسانية في اليمن ويتهمون المملكة بالإسهام فيها، ولكن يبقى التساؤل الأهم: هل المملكة هي سبب أزمة اليمن الإنسانية أم نظام طهران نفسه؟ أليس التدخل الإيراني في اليمن هو سبب جميع الكوارث التي حلت باليمن؟ أليس من المنطقي والواجب أن يتم تدمير الوجود الإيراني في اليمن لتحرير اليمن أولاً وإنقاذ شعبه، وتأمين دول الجوار ضد هجمات الحوثي المارقة؟
من المؤكد أن أي حلول أخرى بهذا الشأن مرفوضة كلية من قبل حكومة المملكة العربية السعودية شكلاً وموضوعاً، غير أنه على الرغم من التزام المملكة الهدوء والحكمة التامة خلال تعاملها مع الجانبين الإيراني والحوثي، إلا أن كلاً منهما تكاد لا تتوقف عن سعيها الحثيث في استفزاز المملكة وزيادة الهجمات المسيّرة ضد المدنيين في المملكة يوماً بعد يوم، متوقعة -أو بالأحرى متمنية- أن تسفر تلك المساعي عن الإيقاع بالمملكة لاستفزازها للرد بطريقة مشابهة، غير أن القيادة في المملكة تملك من الحكمة والحصافة ما يدفعها للتعامل مع هذا الملف الحساس والشائك بما يتفق مع القوانين والأعراف الدولية.