إذا وصفت العلاقة السعودية الأمريكية بأنها طلاق بائن فهو ظلم لها وأمنيات أكثر منها حقيقة بين بلدين كبيرين لا يمكن أن يقبلا القطيعة مهما تباينت وجهات النظر، فالولايات المتحدة الأمريكية ليست بايدن ولا إدارته الديموقراطية، ولعل أقرب وصف للعلاقة هو تخارج في بعض القضايا المختلف عليها بين شريكين دامت علاقتهما ما يزيد على ثمانين عاماً، وإعادة هيكلتها وبنائها من جديد بما يضمن مصالح واهتمامات الشريكين، خاصة بعدما تصورت بعض الأطراف الأمريكية أنها قادرة على امتلاك القرار في الرياض، وهو أمر أخفق فيه جميع من حاول، فالرياض لا تأخذ قرارها إلا من رأسها الصلب.
استعادة العلاقات من جديد بحرارتها السابقة ممكن جداً، ومحاولة تعويض الأمريكان للإمكانات السعودية بالذهاب لدول صغيرة في المنطقة غير ناجح، فواشنطن تحتاج في كل مشاريعها الأمنية والسياسية حول العالم إلى شريك كبير وصادق يضاهي حجمها، وما تقوم به في المنطقة من الاستعانة بثلاث وأربع عواصم سيربك تلك الدول الصغيرة أمام أقل طلب أمريكي، في المقابل تستطيع الرياض أن تتيح إمكاناتها اللامتناهية لشركائها دون أن يرف لها جفن، ومع أن واشنطن تكيل المديح هنا وهناك ملمحة إلى أنها استغنت عن الإمكانات السعودية، لكنها تبقى مماحكات لا أكثر ولا أقل.
لم يبدأ الاختلاف أو الافتراق السياسي في بعض الملفات بين الرياض وواشنطن عند وصول بايدن للبيت الأبيض، ولا لأن بايدن وطاقم إدارته وحزبه يختلفون مع الأمير محمد بن سلمان، كما يروج الإعلام الغربي المتطرف، فمحمد بن سلمان هو امتداد لسلمان، وعبد الله، وفهد، وخالد، وفيصل، وسعود، وصولا إلى المؤسس الملك عبد العزيز، وانتهاء بالإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى. لقد بنت الدول الثلاث عقيدة سياسية لا تتزحزح، تكمن في الذود عن البلاد وحقوقها ومكانتها، وقرارها المستقل.
كانت ملامح الخلاف قد بدأت تظهر للعلن منذ عقدين تقريبا، وحتى قبل أن يضرب الملك عبد الله بن عبد العزيز بيده الطاولة التي كانت تفصل بينه وبين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خلال اجتماع شهير خارج الرياض قائلا له: لا أحد يملي على المملكة سياساتها، بسبب طلب أمريكي من الرياض بعدم الوقوف في وجه الفوضى غير الأخلاقية التي نشرتها إدارة أوباما حينها في المنطقة العربية 2010، وهي تلك اللحظة التاريخية التي رواها الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية والسفير بواشنطن الأسبق.
على مدى أكثر من ثمانين عاما كانت المملكة الصحراوية المليئة بالنفط والمصدر الأهم للطاقة، في عين عاصفة الانتخابات وخلافات الحزبين الحاكمين في أمريكا، ومرت خلالها العلاقات بالكثير من الوئام والكثير من الأزمات التي تجاوزتها العاصمتان بالحكمة والعمل والكثير من التشاور والثقة.
وبقيت السعودية دائما المختلفة، والمختلف عليها، لا تأتي إدارة إلا وتتعثر في علاقاتها مع الرياض في أول أشهرها نتيجة سوء فهم العلاقة مع الرياض، ثم تتحسن بالتدريج، لأن الرياض صادقة في معارضتها. صادقة في تحالفها. تحترم من يحترمها. وترفض التبعية لأحد، ترسم الخطوط الحمراء وتصر عليها.
يظن الأمريكان والغرب عموما أن السعوديين فريدون من نوعهم، خاصة وهم يجربون سياسيين غيرهم في المنطقة، وهذا صحيح وعليك أن تتقبلهم كما هم، بدو. متحضرون. سياسيون محنكون. يتغافلون معظم الوقت. لكنهم واعون للأخطار المحدقة بهم. حاسمون جدا إذا حانت ساعة المواجهة. لينون مع أصدقائهم. صلبون جدا مع أعدائهم. يمتلكون القصور ويسكنون الخيمة والصحراء، ولهذا يختلفون عن كل الصبيان والخونة الذين حكم بعضهم العالم العربي وتعامل معهم الغرب منذ أوائل القرن الماضي وحتى اليوم.
السعوديون حالة فريدة لخصها الملك عبد العزيز رحمه الله: «إني جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أبداً بالعدوان، بل أصبر عليه حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي وكانت القاضية»، وكذلك الملك فيصل في خطاب شهير قال فيه: نحن أصفى من العسل الصافي لمن أراد صداقتنا، ونحن السم الزعاف لمن أراد أن يعكر صفوفنا، السعوديون لا يمكن أن يكونوا إلا مستقلين في تصرفاتهم وآرائهم، لا يخضعون للمساومات ولا للتهديدات، ولا يقبلون أن يكونوا تابعين أبدا لحلف أو دولة مهما كانت النتائج.
مواقف الملوك السعوديين في قضايا مصيرية متعددة وهي تؤكد سياسة المملكة المستقلة..
الملك فهد طرد سفير واشنطن بعدما تدخل في ما لا يعنيه، واشترى الفهد السلاح الذي يريده من الصين ثاني معقل للشيوعية في العالم دون أن يحسب حسابا لأحد، البريطانيون قطع معهم العلاقات إثر بثهم فيلما وثائقيا مسيئا أوائل الثمانينات، وكذلك الفيصل قطع البترول عن الغرب جميعا واشترى السلاح لمصر، والملك سعود دعم الجزائريين والتونسيين ضد الفرنسيين من أجل تحقيق الاستقلال، والملك عبد العزيز أرسل كتائب من المقاتلين لحرب الصهاينة في إسرائيل.
وكان نداً للبريطانيين ورفض تأجيرهم شبرا من الأراضي السعودية بعدما عرضوا عليه استئجار المنطقة الشرقية لمدة 99 عاما كما فعلوا في هونج كونج مع الصين.
كشف واشنطن مساء أول من أمس عن بعض وثائق 11 سبتمبر، وما سبقه من خشونة أمريكية في التعامل مع أهم شركاء أمريكا في المنطقة، هي استخدام لسياسة حافة الهاوية، ومع أن العقلاء يؤمنون بأن الحليفين قادران على العمل في منطقة مشتركة، ولن يغادراها إلى مناطق القطيعة الكاملة، فمن المفيد أن يفهم البيت الأبيض أنه هو من يلعب بالنار، وأنه هو من يغامر بحرق الثمار التي زرعت قبل ثمانين عاما، وأن البيدر إذا احترق فلن يستطيع جني ثماره أبدا.
استعادة العلاقات من جديد بحرارتها السابقة ممكن جداً، ومحاولة تعويض الأمريكان للإمكانات السعودية بالذهاب لدول صغيرة في المنطقة غير ناجح، فواشنطن تحتاج في كل مشاريعها الأمنية والسياسية حول العالم إلى شريك كبير وصادق يضاهي حجمها، وما تقوم به في المنطقة من الاستعانة بثلاث وأربع عواصم سيربك تلك الدول الصغيرة أمام أقل طلب أمريكي، في المقابل تستطيع الرياض أن تتيح إمكاناتها اللامتناهية لشركائها دون أن يرف لها جفن، ومع أن واشنطن تكيل المديح هنا وهناك ملمحة إلى أنها استغنت عن الإمكانات السعودية، لكنها تبقى مماحكات لا أكثر ولا أقل.
لم يبدأ الاختلاف أو الافتراق السياسي في بعض الملفات بين الرياض وواشنطن عند وصول بايدن للبيت الأبيض، ولا لأن بايدن وطاقم إدارته وحزبه يختلفون مع الأمير محمد بن سلمان، كما يروج الإعلام الغربي المتطرف، فمحمد بن سلمان هو امتداد لسلمان، وعبد الله، وفهد، وخالد، وفيصل، وسعود، وصولا إلى المؤسس الملك عبد العزيز، وانتهاء بالإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى. لقد بنت الدول الثلاث عقيدة سياسية لا تتزحزح، تكمن في الذود عن البلاد وحقوقها ومكانتها، وقرارها المستقل.
كانت ملامح الخلاف قد بدأت تظهر للعلن منذ عقدين تقريبا، وحتى قبل أن يضرب الملك عبد الله بن عبد العزيز بيده الطاولة التي كانت تفصل بينه وبين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خلال اجتماع شهير خارج الرياض قائلا له: لا أحد يملي على المملكة سياساتها، بسبب طلب أمريكي من الرياض بعدم الوقوف في وجه الفوضى غير الأخلاقية التي نشرتها إدارة أوباما حينها في المنطقة العربية 2010، وهي تلك اللحظة التاريخية التي رواها الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية والسفير بواشنطن الأسبق.
على مدى أكثر من ثمانين عاما كانت المملكة الصحراوية المليئة بالنفط والمصدر الأهم للطاقة، في عين عاصفة الانتخابات وخلافات الحزبين الحاكمين في أمريكا، ومرت خلالها العلاقات بالكثير من الوئام والكثير من الأزمات التي تجاوزتها العاصمتان بالحكمة والعمل والكثير من التشاور والثقة.
وبقيت السعودية دائما المختلفة، والمختلف عليها، لا تأتي إدارة إلا وتتعثر في علاقاتها مع الرياض في أول أشهرها نتيجة سوء فهم العلاقة مع الرياض، ثم تتحسن بالتدريج، لأن الرياض صادقة في معارضتها. صادقة في تحالفها. تحترم من يحترمها. وترفض التبعية لأحد، ترسم الخطوط الحمراء وتصر عليها.
يظن الأمريكان والغرب عموما أن السعوديين فريدون من نوعهم، خاصة وهم يجربون سياسيين غيرهم في المنطقة، وهذا صحيح وعليك أن تتقبلهم كما هم، بدو. متحضرون. سياسيون محنكون. يتغافلون معظم الوقت. لكنهم واعون للأخطار المحدقة بهم. حاسمون جدا إذا حانت ساعة المواجهة. لينون مع أصدقائهم. صلبون جدا مع أعدائهم. يمتلكون القصور ويسكنون الخيمة والصحراء، ولهذا يختلفون عن كل الصبيان والخونة الذين حكم بعضهم العالم العربي وتعامل معهم الغرب منذ أوائل القرن الماضي وحتى اليوم.
السعوديون حالة فريدة لخصها الملك عبد العزيز رحمه الله: «إني جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أبداً بالعدوان، بل أصبر عليه حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي وكانت القاضية»، وكذلك الملك فيصل في خطاب شهير قال فيه: نحن أصفى من العسل الصافي لمن أراد صداقتنا، ونحن السم الزعاف لمن أراد أن يعكر صفوفنا، السعوديون لا يمكن أن يكونوا إلا مستقلين في تصرفاتهم وآرائهم، لا يخضعون للمساومات ولا للتهديدات، ولا يقبلون أن يكونوا تابعين أبدا لحلف أو دولة مهما كانت النتائج.
مواقف الملوك السعوديين في قضايا مصيرية متعددة وهي تؤكد سياسة المملكة المستقلة..
الملك فهد طرد سفير واشنطن بعدما تدخل في ما لا يعنيه، واشترى الفهد السلاح الذي يريده من الصين ثاني معقل للشيوعية في العالم دون أن يحسب حسابا لأحد، البريطانيون قطع معهم العلاقات إثر بثهم فيلما وثائقيا مسيئا أوائل الثمانينات، وكذلك الفيصل قطع البترول عن الغرب جميعا واشترى السلاح لمصر، والملك سعود دعم الجزائريين والتونسيين ضد الفرنسيين من أجل تحقيق الاستقلال، والملك عبد العزيز أرسل كتائب من المقاتلين لحرب الصهاينة في إسرائيل.
وكان نداً للبريطانيين ورفض تأجيرهم شبرا من الأراضي السعودية بعدما عرضوا عليه استئجار المنطقة الشرقية لمدة 99 عاما كما فعلوا في هونج كونج مع الصين.
كشف واشنطن مساء أول من أمس عن بعض وثائق 11 سبتمبر، وما سبقه من خشونة أمريكية في التعامل مع أهم شركاء أمريكا في المنطقة، هي استخدام لسياسة حافة الهاوية، ومع أن العقلاء يؤمنون بأن الحليفين قادران على العمل في منطقة مشتركة، ولن يغادراها إلى مناطق القطيعة الكاملة، فمن المفيد أن يفهم البيت الأبيض أنه هو من يلعب بالنار، وأنه هو من يغامر بحرق الثمار التي زرعت قبل ثمانين عاما، وأن البيدر إذا احترق فلن يستطيع جني ثماره أبدا.