تربّى في أسرة تُقدس المال، وتطمح للجاه، وتتطلع للنفوذ، وكثيراً ما طرقت سمعه، مقولة «اللي معه شيء يسوى شيء، واللي ما معه ما يسوى متليكة».
لا يذكر شقاءً كبيراً مرّ به في طفولته، إلا يوم أنزلت أخته المرآة من فوق دولاب عتيق، صبح العيد، فطلبها ليضبط عقاله على غترته، وتجاذب معها اللوح الزجاجي، فتشظّى، واختلط دمه بدمها، وتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته، خوفاً ورهبة وإشفاقاً.
الأسرة شديدة التقديس للريال، ومتهالكة في سبيل إثبات الذات، وتحقيق المكاسب، والحرص على المرجلة، والمرجلة؛ تعني تحصيل مال وحلال، مع تقشّف في الإنفاق، ودس القرش الأبيض لليوم الأسود، وعن قصد مسبق، وإصرار، زرع الآباء في الأبناء بذور الغيرة من أولاد العم، والقرابة، وشباب القرية.
يستعيد أول يوم دراسي له، حين أردفه أبوه خلفه، فوق الحمار ليخفف عنه مشقة، ووعورة طريق بطول أربعة كيلو، وأقرانه يقطعون المسافة سيراً على أقدامهم جيئة وذهاباً، ثم تسلم لجام الحمار ليثبت للآخرين أنه أميز منهم، وظل يداوم حتى اشترى له والده دبّاباً أبو كفرتين، ثم اقتنى سيارة.
أكمل تعليمه، وعاد لمنطقته، موظفاً على مرتبة مناسبة لشهادته، فبنى منزلاً خاصاً، وتزوّج بفتاة من عائلة تربطهم بها صلة قرابة يسكنون في قرية مجاورة، وتواصلت المثابرة، وتوالت الترقيات إلى أن بلغ منصب مدير عام.
انهالت عليه خطابات التهنئة، وطلبات المواطنين، واستدعاءاتهم، وشكاواهم، وجميعها، تتصدرها عبارة (صاحب السعادة)، وكلما حضر حفلا أو مناسبة، خاطبه مقدّم الحفل بصاحب السعادة، والموظّفون لا تفتر ألسنتهم من ترديد أبشر وحاضر صاحب السعادة، وعند تفقّده لمشروع يتسابق الشارحون واللي يعرفون واللي ما يعرفون لتبييض وجوههم عند صاحب السعادة، وهذي يا صاحب السعادة كانت بالية فجددناها، وتلك يا صاحب السعادة ما كانت راكبة مزبوط فخلعناها وغيرناها، ولسان الجميع؛ صاحب السعادة جاء، صاحب السعادة راح، صاحب السعادة نزل، صاحب السعادة طلع، صاحب السعادة نام، صاحب السعادة قام.
من دخل الوظيفة، كان يستقطع ويتاجر ويستثمر، فاقتدر ووفّر، ومعظم نشاطه العملي مدفوع، يسافر على حساب الوظيفة، دون دفع ثمن تذاكر، وينزل أفخم فنادق دون سداد أجرة مبيت، ويعبر المطارات دون تحمّل نفقات جمرك، ولا يمر يوم دون أضواء وفلاشات، وكلما اتسعت مساحات تحركاته ونشاطه كلما تزايد عدد الحُساد حتى من أقرب الناس إليه، ولا يمر يوم دون اتهامات، مع استمرار مخاطبته بصاحب السعادة.
وفي ضحوة أحد الأيام، خامره شعور بالاكتئاب والضيق، فاستدعى زميلاً ملتحياً وبدأ يرقيه، بالقرآن والأدعية، والنفث، ولكن ما استشعر أي تحسّن، وأثناء الرُقية، هاتفته زوجته، وقالت أن ابنهما غير مرتاح مع زوجته، وبيرسلها لأهلها، وقبل ما تُنهي المكالمة، قالت؛ والبنت طفشت من زوجها، وبدأت إجراءات الخلع، ومن باب العكننة أملت عليه بعض المطالب المنزلية، ديكور، فرش، أغراض، وذكّرته بقطع تذاكر سفرهم للاصطياف، فوصلت كيس التُنباك.
انقدحت في ذهنه تساؤلات عن الوصف الذي أطلقوه عليه، وأين (السعادة) التي يسمع بها ولا يراها، وخاطب نفسه: هل كل هؤلاء البشر يعرفوني أكثر من معرفتي بنفسي. شال وحط في نفسه، وردّد بتذمّر: سعادة من، وأي سعادة يتحدثون عنها؟
طرق مدير مكتبه الباب، وقال: جاء ضيف، يا صاحب السعادة، وصديقك فلان يبغي يشوفك، يا صاحب السعادة والساعة الواحدة عندك اجتماع يا صاحب السعادة، شعر أنها زادت عن حدها، فقال: لا أحد يدخل عندي وألغ جميع التزاماتي.
أثناء مغادرته الإدارة مع نهاية الدوام، لفت انتباهه، ابتسامة الحارس المتكئ بمرفقه الأيسر، على شماغه المهترئ، والمتمدد في كشك الحراسة، والراديو شغّال على برنامج ما يطلبه المستمعون، وبُرّاد الشاهي المُخدّر محكور. توقّف، والتفت نحوه وسأله: ليش متبسّم، فردّ عليه: وليش أتكدّر وأعبّس؟، فاستخبر منه عن ظروفه وأوضاعه؛ فأجاب في نعمة وخير، ومن الحوار، عَلِم أن زوجة الحارس تعاني الفشل الكلوي، وعنده طفلان معاقان، فعلّق: كل هذه المتاعب، ومبسوط؟ فقال: أيش أسوي، ما جاء من الله، حياه الله.
جمع الموظفين صبيحة اليوم التالي، وحذّرهم من مخاطبته بصاحب السعادة، وعندما استفسروا عن الأسباب، أجاب: صاحب السعادة، الحارس اللي واقف عند الباب.
لا يذكر شقاءً كبيراً مرّ به في طفولته، إلا يوم أنزلت أخته المرآة من فوق دولاب عتيق، صبح العيد، فطلبها ليضبط عقاله على غترته، وتجاذب معها اللوح الزجاجي، فتشظّى، واختلط دمه بدمها، وتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته، خوفاً ورهبة وإشفاقاً.
الأسرة شديدة التقديس للريال، ومتهالكة في سبيل إثبات الذات، وتحقيق المكاسب، والحرص على المرجلة، والمرجلة؛ تعني تحصيل مال وحلال، مع تقشّف في الإنفاق، ودس القرش الأبيض لليوم الأسود، وعن قصد مسبق، وإصرار، زرع الآباء في الأبناء بذور الغيرة من أولاد العم، والقرابة، وشباب القرية.
يستعيد أول يوم دراسي له، حين أردفه أبوه خلفه، فوق الحمار ليخفف عنه مشقة، ووعورة طريق بطول أربعة كيلو، وأقرانه يقطعون المسافة سيراً على أقدامهم جيئة وذهاباً، ثم تسلم لجام الحمار ليثبت للآخرين أنه أميز منهم، وظل يداوم حتى اشترى له والده دبّاباً أبو كفرتين، ثم اقتنى سيارة.
أكمل تعليمه، وعاد لمنطقته، موظفاً على مرتبة مناسبة لشهادته، فبنى منزلاً خاصاً، وتزوّج بفتاة من عائلة تربطهم بها صلة قرابة يسكنون في قرية مجاورة، وتواصلت المثابرة، وتوالت الترقيات إلى أن بلغ منصب مدير عام.
انهالت عليه خطابات التهنئة، وطلبات المواطنين، واستدعاءاتهم، وشكاواهم، وجميعها، تتصدرها عبارة (صاحب السعادة)، وكلما حضر حفلا أو مناسبة، خاطبه مقدّم الحفل بصاحب السعادة، والموظّفون لا تفتر ألسنتهم من ترديد أبشر وحاضر صاحب السعادة، وعند تفقّده لمشروع يتسابق الشارحون واللي يعرفون واللي ما يعرفون لتبييض وجوههم عند صاحب السعادة، وهذي يا صاحب السعادة كانت بالية فجددناها، وتلك يا صاحب السعادة ما كانت راكبة مزبوط فخلعناها وغيرناها، ولسان الجميع؛ صاحب السعادة جاء، صاحب السعادة راح، صاحب السعادة نزل، صاحب السعادة طلع، صاحب السعادة نام، صاحب السعادة قام.
من دخل الوظيفة، كان يستقطع ويتاجر ويستثمر، فاقتدر ووفّر، ومعظم نشاطه العملي مدفوع، يسافر على حساب الوظيفة، دون دفع ثمن تذاكر، وينزل أفخم فنادق دون سداد أجرة مبيت، ويعبر المطارات دون تحمّل نفقات جمرك، ولا يمر يوم دون أضواء وفلاشات، وكلما اتسعت مساحات تحركاته ونشاطه كلما تزايد عدد الحُساد حتى من أقرب الناس إليه، ولا يمر يوم دون اتهامات، مع استمرار مخاطبته بصاحب السعادة.
وفي ضحوة أحد الأيام، خامره شعور بالاكتئاب والضيق، فاستدعى زميلاً ملتحياً وبدأ يرقيه، بالقرآن والأدعية، والنفث، ولكن ما استشعر أي تحسّن، وأثناء الرُقية، هاتفته زوجته، وقالت أن ابنهما غير مرتاح مع زوجته، وبيرسلها لأهلها، وقبل ما تُنهي المكالمة، قالت؛ والبنت طفشت من زوجها، وبدأت إجراءات الخلع، ومن باب العكننة أملت عليه بعض المطالب المنزلية، ديكور، فرش، أغراض، وذكّرته بقطع تذاكر سفرهم للاصطياف، فوصلت كيس التُنباك.
انقدحت في ذهنه تساؤلات عن الوصف الذي أطلقوه عليه، وأين (السعادة) التي يسمع بها ولا يراها، وخاطب نفسه: هل كل هؤلاء البشر يعرفوني أكثر من معرفتي بنفسي. شال وحط في نفسه، وردّد بتذمّر: سعادة من، وأي سعادة يتحدثون عنها؟
طرق مدير مكتبه الباب، وقال: جاء ضيف، يا صاحب السعادة، وصديقك فلان يبغي يشوفك، يا صاحب السعادة والساعة الواحدة عندك اجتماع يا صاحب السعادة، شعر أنها زادت عن حدها، فقال: لا أحد يدخل عندي وألغ جميع التزاماتي.
أثناء مغادرته الإدارة مع نهاية الدوام، لفت انتباهه، ابتسامة الحارس المتكئ بمرفقه الأيسر، على شماغه المهترئ، والمتمدد في كشك الحراسة، والراديو شغّال على برنامج ما يطلبه المستمعون، وبُرّاد الشاهي المُخدّر محكور. توقّف، والتفت نحوه وسأله: ليش متبسّم، فردّ عليه: وليش أتكدّر وأعبّس؟، فاستخبر منه عن ظروفه وأوضاعه؛ فأجاب في نعمة وخير، ومن الحوار، عَلِم أن زوجة الحارس تعاني الفشل الكلوي، وعنده طفلان معاقان، فعلّق: كل هذه المتاعب، ومبسوط؟ فقال: أيش أسوي، ما جاء من الله، حياه الله.
جمع الموظفين صبيحة اليوم التالي، وحذّرهم من مخاطبته بصاحب السعادة، وعندما استفسروا عن الأسباب، أجاب: صاحب السعادة، الحارس اللي واقف عند الباب.